صحيفة المثقف

دعاء الانتظار والاحتضار.. إشكالية الصمت عن الخراب المرتقب

رائد عبيسمنذ أن عرف الإنسان ربه على هذه الأرض، وهو قد ربط وعيه لعوالم لم يرها، وانما زاده ايمان المعرفة سعة خيال وتفكيره، حتى أفرط بهذا الخيال وابتعد به عن ربه الفطري، وبدأ يخاف من ربه الموضوعي، يخاف من الشجر والشجر المتوحش، ويخاف من الحيوانات الكاسرة، ويخاف من الصدى، ويخاف من كل قوى الطبيعة الأخرى، فضلا عن خوفه من عوالم غير مرئية عدها ايضا مصدر لعبوديته كالريح والجن والفكرة، فالفكرة ايضا هي مصدر خوف، وهذا ما يسمى بعلم النفس الخوف من المجهول، أو الخوف على المستقبل، أو الوهواس القهري المرتبط بفكرة ما. وعبر هذا الخوف، بدأ الإنسان ولشدة خوفه، يلجئ الى الدعاء كوسيلة خلاص، وافراغ نفسي عن كبت الم به، أو يعدها عبادة، وتقرب، وتضرغ لمن يخافه. وبما أن الاستجابة قد تتأخر في كثير من الأحيان وتؤجل إلى أمد لا يدركه الداعي نفسه، كالدعاء بإزالة نظام حكم جاثم على صدور الناس، فيفنون قبل زواله وهكذا، يعني أن دعاء الانتظار للحلول لا يأتي مناسب بالعادة مع وقت الاحتضار وكثيراً ما يفوته. المسلمون لديهم دعاء، كثيرا ما يُرددوه في مناسباتهم الدينية، ولا سيما الفرقة الشيعية، وهو (اللهم انا نرغب إليك بدولة كريمة تعز بها الإسلام واهله، وتذل بها النفاق واهله)، أو يدعوا بدعاء آخر يسمى دعاء الفرج، أو دعاء الانتظار، الذي يعبر عن إيمان بفكرة الإمام الغائب، المنتظر الظهور، حتى يؤسس هذه الدولة الكريمة المرتقبة، عند شيعة المسلمين، صحيح أن فكرة المخلص، لا تعني الشيعة وحدهم، بل هي فكرة عالمية، ولكن لا تعني عالميتها ايمان الجميع بها، بل المقصود هي موجودة في كثير من الديانات. وبما أن الدعاء جزء من الدين والعقيدة، عبر كارل ماركس " أن الدين افيون الشعوب " هذه العبارة أصبحت لها مصاديق موضوعية، في أغلب الديانات، ولا تختص بالديانات السماوية، لماذا الدين افيون الشعوب؟ ومتى يصبح كذلك ؟ هل الدين السماوي يأتي منذ بدايته ذو خواص افيونية أم يتحول في ما بعد؟ ولماذا يعتنق الإنسان الدين إن كان قد أدركه فيه؟ ربما يقصد ماركس من تلك العبارة، و كجواب عن كل الأسئلة التي ممكن أن تترشح منها، أن الدين عندما يصبح مجرد وعودة خلاصية، دون تقديم أي حلول، فإنه ينتهي إلى هذه الصفة التخديرية لاتباعه، لأنه يعلمهم الصبر المذل، والتبعية المهينة، ويقلص لهم فرص الطموح والمشاركة، بالتغيير، والواقع، وتلافي مشاكله، والأدهى من ذلك، ان هناك من التيارات الدينية من تعمل على إثارة مشاكل، وارتكاب اخطاء، وفواحش، ومحرمات، بحجة أو هو جزء من قناعتهم، بأن المخلص يأتي متدارك للمجتمع لتخليصهم من هذه الأفعال، ضناً منهم وهماً وزيفاً أنهم سيقدمون موعد مؤجل له، او تعجيل الرب بظهوره، او المشاركة في ظهوره، فدعاء الانتظار والتعجيل، لم يعد كافياً، بل بحاجة إلى تأكيد تلك الرغبة بذلك الفعل، وهذا الأمر، نعده تدخل سافر بالمشيئة الألهية، ومواعيدها المجهولة، والصارمة، والحتمية، إزاء هكذا قضايا مصيرية تخص الكون، والدين، والمصير النهائي للبشر. فدعاء الأنتظار اذا لم يقترن بعمل يناسبه، فلن يجدي نفعاً، ولم يكون حلاً لكل حالات الإحتضار التي تمر بها المجتمعات، وبكل انواع الإحتضار البايولوجية، والقيمية والسياسية، والدينية، فالدين (الذي ولد من رحم الفكرة الاولى، سينتهي إلى فكرة الإحتضار، بسبب الفكرة الثانية) هل يعني أن خطورة هذا الإحتضار يكفيه الدعاء فقط؟ لا نعتقد أن الدعاء وحده يكفي، ولكن ما يزيد الأمر خطورة هو سكوت اصحاب القرار، المساهم بالخلاص بدون المخلص وانتظاره، اي هو يحتاج واعني المخلص إلى تقويم مستمر ودائم للدين، حتى يكون حضوره مقبول وجهوده بالاصلاح اقل، اي نعينه على امره، وتطبيق شريعته، فالخراب الذي يطال المجتمع والمستمر، لا نجد من يظهر حماسته اتجاه مبادرة انقاذ وإصلاح وتغيير في الواقع الرث قيمياً، وهذا ما نفقده بالعراق، على الرغم من وجود محاولات أحادية، فضلا عن اختلاط المشاعر بين العاطفة الدينية والوطنية، وتناقض المواقف فيها، بل وإعلان الصمت المطبق على كثير من مشاكل الواقع العراقي وخراب الدولة، وكانهم ينتظرون وقوع الخراب المرتقب، لأنهم يأسوا استجابة دعاء انتظارهم.

 

 الدكتور رائد عبيس

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم