صحيفة المثقف

العاطفة الدينية والعاطفة الوطن

رائد عبيسالعاطفة الدينية والعاطفة الوطنية إشكالية المشاعر المتناقضة كيف نفرز العاطفة الدينية عن العاطفة الوطنية في سلوك المواطن العراقي؟ وكيف نبني هذه العواطف معا بداخله؟ وكيف يتحقق الاستقرار الوجداني اتجاهما؟ ومتى يغلب احدهما على الآخرى؟ هذه الأسئلة تبلورت من تشخيص تناقض المواطن العراقي، اتجاه مواقف في الشأن العام، يتضح منها وبها أنه يعيش حالة من عدم الاستقرار الوجداني، اتجاه متبنياته الوطنية والدينية، وذلك يرجع إلى عدة أسباب منها: ١- انصياعه الى قائده وزعيم حزبه أو مواليه. ٢- التفاعل السلبي مع الحدث والإعلام ومشاركة الجماهير ما يخوضوا فيه. ٣- يتناقض في إظهار متبناه الوطني والديني لأنه لا يحسن أن يوحد بين مشتركاته. ٤- تناقض المواقف السياسية التي يتبناها حزبه تثير له هذا التذبذب أيضاً. ٥- ضعف القدرة المعرفية في تبني موقف موحد من كلا العاطفتين. ٦- يرى أن في الوطن جهات لا تمثل دينه، ومن ثم هم لا يمثلونه، ومن هذه يبدأ يبحث بين من يمثل له الدين والوطن. هذه اشكاليات تظهر بعمق وتختفي سطحيا بين آونة واخرى، تبعاً للمثيرات وعوامل الاستفزاز، لان هناك من يدعي تمثيل الدين وهو ليس منه في شيء سوى الملبس، مثل رجل دين علماني يرتدي زي حوزوي، فاي موقف يصدر منه اتجاه قضية وطنية، فلا يثير فقط الا العاطفة الوطنية عند المجتمع، ولا يكون عندها اثر لزيه الديني، وفي حالة صدور موقف اتجاه قضية دينية، من قبل اي سياسي وان كان غير ملتزم بالزي الديني،فانه يثير العواطف الدينية عند المجتمع، دون الأخذ بعين الاعتبار زيه، والمجتمع بين هذا وهذا تتذبذب مواقفه وتفاعلاته وتتحرك عواطف مداً وجزراً، تبعا للمواقف المثارة والمثيرة في الشارع العراقي، فلا كل وطني قادر على استثارة العواطف الوطنية عند الجمهور، ولا كل متدين قادر ايضا على استثارة العواطف الدينية في المجتمع. فإذا كان الوطني غير ملتزم دينياً، فلا يمكن أن يستعطف اي مواطن متدين بمواقفه الوطنية، والمتدين الذي لا يظهر أي موقف وطني، لا يمكن له أن يستعطف اي مواطن لديه حس وطني بمجرد تدينه، وهذا ما يظهر على الدوام في مواقف ومظاهر السياسة العراقية، والذي يأخذ شد، وجذب، وتباين، وسجال، وجدال، ولغط وحملات تسقيط وغيرها. لا سيما في مواقف الأحزاب العلمانية، مع الإسلامية، أو الدينية، أو الأحزاب الدينية مع الأحزاب العلمانية، والتي يتهم كل منهم الآخر بالعمالة واللاوطنية؟ فكثير من أبناء المجتمع العراقي، يندفع اتجاه مواقفه الوطنية لان زعيمه ديني يظهر ذلك وطنيته، مستندا إلى الحديث القائل (حب الوطن من الإيمان) ولكن هل حب الوطن حكرا على المؤمنين؟ بالتأكيد لا، وهذا ما يجب أن يفهموه دعاة الوطنية الدينية، الذين يتصورا حب الوطن محتكر بهم، وعلى أساس هذا التصور يرفضوا كل مواقف وطنية من أطراف علمانية أو غير متدينة. فالوطنية المدنية بصبغة علمانية، تتفق مع الوطنية الدينية وهوية الدولة. وتحتاج لهذا الاتفاق روية جامعة بين الوطنية والدينية، من أجل خلق عاطفة مشتركة، غير مفرقة أو متضادة، اتجاه مواقف البلد ومشاكله، يعني أن الهدف من هذا العامل المشترك، هو إيجاد استقرار في المواقف الوطنية عند جميع العراقيين دون تقاطعات على اعتبارات ما تقدم. واذا توفر هذا العامل سوف يتحرر الشارع العراقي، ومجتمعه من ولاءات خارجية،ذات تأثير ديني تشتت عاطفته، و تبلورها باتجاه واحد، هو العاطفة الدينية فقط، حتى تعبر بهم الحدود، ولم يعد الولاء للوطن وحده،بل للامة بشكل عام، وبهذا يتزايد الصراع الداخلي على مواقف في الحكومة والدولة، بين توصيفها بالوطنية أو غير الوطنية، بين كونها مهددة للدين ويجب أن ترفض، حتى ولو كانت وطنية، وبين من كونها وطنية ويجب أن تمرر، كما شهدنا قانون الاحوال الشخصية،وقانون العنف الأسري، وغيرها من القوانين التي تخص المرأة والطفولة والحقوق العامة وغيرها. وما شهدنا بالأمس القريب من سجال، وجدال حول تصريحات نواب يتمثلون بالعلمانية، اتجاه بعض القضايا الدينية، أو تصريحات نواب اسلاميين، أو دينيين اتجاه قضايا يتبنوها العلمانيين. دليل على ان العواطف المجتمعية متناقضة، والانتماءات مشوهة، والمواقف متذبذبة تبعاً، لمحركاتها الانحيازية والفئوية، الفاقدة لكل موضوعيتها، وعقلانيها، وجهل زعامتها.

 

د. رائد عبيس

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم