صحيفة المثقف

المنابر والمقابر.. إشكاليات الخطاب المميت

رائد عبيسالمنبر هو مرقاة يرتقها الخطيب، أو الواعظ في المسجد أو في مكان عام، يخطب بها الناس، في شؤون الدين، فيسمى خطبة دينية، أو في شؤون السياسة فيسمى خطبة سياسية، أو في شؤون المجتمع فتسمى خطبة اجتماعية أخلاقية نصائحية. والمنبر اختلف مدلوله اليوم، لم يعد مقتصرا على ذلك المرتفع الذي يرقاه الخطيب، كالمنبر المصنوع من الخشب في الجوامع، والحسينيات، والمساجد أو غيره، أو المنبر السياسي الذي يخص منصات سياسية، يعتلوها القائد في توجيه خطاب لاتباعه، أو المنبر الثقافي، كالمتوفر في الجمعيات الثقافية، والشعرية، والأدبية، والمنبر العلمي المخصص لقاعات العلم، والمعرفة في مؤسسات علمية جامعية، وغير جامعية، وما تقدم من أنواع المنابر يعد تقليدي، أما ما هو غير تقليدي فهو المنبر الإلكتروني، لاسيما بعد اكتشاف الانترنيت، اصبحت لنا منابر على منصات ألكترونية، باشكال مختلفة، مثل المنتدى الالكتروني، والمواقع، والحسابات، ومحركات البحث، كل منها بأختصاصه، أصبح بها التعبير عن الرأي، والأفكار، والخطب، تأخذ تأثيرها على المجتمعات اكثر، من اي وقت مضى، وأكثر تأثير من المنبر التقليدي، في تحقيق اهداف وغرضية، المنبر ونوعه، والمنابر تطورت بعد كل ثورة رقمية من الثورة الرقمية الأولى، والثانية، والثالثة، والرابعة التي نعيش تقنياتها وتفاعل المجتمع بها، الا وهي منصات " التواصل الاجتماعي" وتطبيقاتها المتعددة، والمختلفة، وتنوع تأثيرها على المجتمعات، تبعا لفاعلية كل منها على عقول، ومزاج، ومشاعر المجتمع, ومن يتبعون، ويراقبون، ويتابعون متأثرين بذلك، فكان الأثر الأكبر لمنابر التواصل الاجتماعي، لبعدها التواصلي الفعال بين المجتمعات الكونية، هو لنصيب الفيس بك وتويتر، وذلك لعلاقتها بمتابعة الجمهور، وتفاعلهم، واهتمامهم، ومراقبتهم، ومزاجهم، وطاعتهم، وخوفهم، وحزنهم، وفرحهم، وتحليلهم، ومراقبتهم، واخبارهم، ومواقفهم، كلها أصبحت عبر هذه المنصات أو المنابر، لاسيما بعد أن بدأت تتنامى استخداماتها من قبل القادة، والرؤساء، والزعماء، والأمراء، والملوك، والوزراء، والشخصيات العلمية، والشخصيات المؤثرة في العالم، وبدأ الخطاب يعلن ويبث بشكل مباشر الى كل المتابعين عبر العالم. ويقع تأثيرها على متابعيها بشكل فعلي، حتى بات الخطاب يتحول بشكل سريع إلى مواقف، وممارسات، وافعال تترجم تلك الخطابات المنشورة، في تغريدة على تويتر، او منشور في فيس بك، او غيرها من البرامج التي فيها فاعلية تواصلية كبيرة عند متابعيها. فتغريدة الزعامات مثلا باتت تحول الرأي العام، والسياسات، والاقتصادات العالمية إلى غير مسارها، فضلا عن الدراسات، والبحوث الاستراتيجية، والقرارات والمزاج العام الشعوب، تحت ما يسمى الحرب الكلامية أو الحروب الباردة. فالمنبر له فاعليته المميته، منذ زمن وجوده واستخدامه المؤدلج، ولعل كثير من الحروب حدثت بسبب استخداما المنبر ذلك الغرض، وهو التحشيد، والتجنيد، والدعوة للقتال، كما كان ومازال يحدث في منابر المسلمين، فقد غرقت الأمة الإسلامية بدماء أبناءها، بسبب خطب الزيف والخداع، والكذب، والدجل، والموت، فخطب الموت باتت مألوفه في عالمنا الإسلامي كثيراً، وعبر منابر المساجد، والجوامع والأماكن المقدسة والتي تكون الناس فيها أكثر استعداداً للاجابة، وأكثر قبولاً لكلام المنبر وقائله، فحروب المسلمين، وصراعاتهم، بدأت من المنبر، واليوم ومع فاعلية المنبر التقليدي، الا أن المنبر الالكتروني الذي أصبح بديل عند بعض القادة، أصبح يمثل خطورة اكبر على الرأي العام، فكل تغريدة على توتير من زعيم، أو قائد ممكن أن يربك الوضع تماماً، وخصوصاً عندما تكون تحريضية وتصعيدية، والعكس صحيح، وهذا ما نراه من على تويتر، وبعض المنصات الالكترونية، من تغريدات الزعماء في العالم، واثرها على القرارات الفردية، أو الجماعية، أو الرسمية بين الدول والحكومات والتي عادة ما ينتج عنها صراع، وحروب تنتهي نتائجها، ببعض المجتمعات، والافراد الى الموت جوعاً، أو قتلاً، أو حصاراً أو مشاكل دبلوماسية بين البلدان.

 

 الدكتور رائد عبيس

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم