صحيفة المثقف

الوعي المخبأ خلف ولاءات الطاعة.. إشكالية إرتهان الإنسان للإنسان

رائد عبيسيُمثل الوعي، والوعي العملي حركة متقدمة في فكر الإنسان، وتوجهه نحو مفاهيم متعالية، ومتجردة، وعقلانية، وموضوعية، يكشف بها الإنسان الوجه الاخر للعالم، والكون، والحياة، وأن لا يجعل من وعيه المتيقظ، أن يلتجئ الى التكاسل او عن متابعه إدراكه ليقظته، فما قيمة الوعي إن لم يكن ممارسة ؟ وقد قال في ذلك علي بن ابي طالب "لا خير في العمل إلا مع العلم" هذه القرينة، تضع لنا منهاجاً واضحاً، في تحقيق الوعي والوعي العملي، فإن أي معرفة تقترن مع طاعة عمياء، فهي معرفة عرجاء،لا تصل بصاحبها الى النجاة، ولا تسترشد به خطوات الخير، ولا يَتنور به أو ويُنور طريق غيره، هذا الوعي هو الوعي المخبأ خلف وتحت افكار الارتهان،سواء كان لفكرة، أو شخص، أو عقيدة، أو مبدأ، أو تقليد، أو اعراف، أو موروث لا يمكن تجاوزه، لأنه مهيمن على الوعي الجديد، فالوعي المُحتكم الى مخلفات النشأة والموروث، والعقيدة، والتصديق الأعمى،والارتهان،هو وعي مشوه،ان لم يكن بقصدية، وان كان بقصدية فهو وعي متفاعل مع الوعي الجمعي ومشارك له. وطبيعة هذه المشاركة ناتجة عن تفكير نفعي، ومصلحي، تكسبي، يتظاهر صاحبه به، أو بفاعليته حتى يكتسب اهتمام جمهوره، ويحقق بهم أفكاره، ومشاريعه، وارباحه.وهو يعلم جهلهم، وزيف وعيهم الذي عليه أن يتظاهر أمامهم بنقيضه، إدراك النقيض نعده وعي مخبأة، ولكن خبئ لمصلحة متقدمة في طموحه، وعليه أن يعلن الطاعة العمياء لقائده الذي يعلم جهله، وعليه أن يظهر التبعيه له وهو يشاركه جهله، وعليه أن يجاري الجمهور، وهو يعلم فقر مبدأهم ومتبعهم. مثل هذان النموذجان من الوعي يبقيا في صراع داخلي عند أي شخص يحملهما، أن كانت نفسه تميل إلى الترجيح، ورفض النفاق الداخلي، والتبعية المرة وان كان مستحليها، وكشف الزيف الضميري، اتجاه قضايا مصيرية، تكون معه على المحك، وقد فعلها كثير ومارسها وكشف بها التناقض النبي إبراهيم، عندما وضع الفاس عند كبيرهم، وقال للقوم هو من صنع ذلك بآلهتهم بعد سؤالهم له. فولاءات الطاعة التي تفرضها مناسبات مختلفة، مثل؛ التربية، والموروث، والاعتراف الرخيص، والاعتقاد الفارغ، والاستحباب العاطفي، مثلت لكل تابع وعي مستعار عن نموذج قائده، وأفكاره، ومنطلقاته، ولم تتوفر له بعد فرصة تحقق الوعي الذاتي المستقل عنده، وعندما تكون غير متوفره، يكون الولاء والارتهان قد وقع بين انسان لإنسان، وهذه إشكالية التبعية البشرية، بمن يعتقد أنه قائد، وحاكم، وزعيم، وما كوارث الحروب الا دليل على وضع البشر لوجودها وقيمته، تحت تصرف الآخر المسمى الحاكم، وبعد أن نكشف حقيقة هذا الارتهان الزائف، نصير إلى قناعة أن فكرة الحكم وسلطته، هي زيف أيضاً، وغير موجودة الا في عقول من يكون الزيف عقله، وقناعته، وارداته. وامثلة ذلك في عالمنا العربي والإسلامي لا تعد، ولا تحصى، فكل التفكير السلطوي مؤسس على تلك الأرضية من الاستعدادات، لقبولها بدون الاعتراض عليها في البدأ، ففكرة الاعتراف الساذج والرخيص، هي الأقرب إلى تقوية السلطة بنفسها وجمهورها، والسلطة القائمة على العاطفة، لا تصمد أمام العاصفة، سواء كانت هذه العاصفة ايديولوجية، أو عسكرية، أو سياسية.وتحدث في الغالب نتيجة القبول بالارتهان المباشر بين إنسان لإنسان، أو بشكل غير مباشر، المهم تتحقق التبعية نتيجة الطاعة، أو نتيجة الارتهان المتحقق بها، وعندها يصادر الوعي، أو يتبلور بوعي مستعار بلا شعار.

 

الدكتور رائد عبيس

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم