صحيفة المثقف
الانقلاب على الذات والذات الجمعية.. محاولات الإصلاح الفاسدة
ذكر في الحديث النبوي (من رأى منكم منكر، فليغيره بيده إن لم يستطع فبلسانه، إن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) هناك تساؤلات حول هذا الحديث، ولكن علينا ذكر حديث آخر يتعلق بنفس الأمر، وهو (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) بين ادوات التغيير المذكورة في الحديث الأول وبين المسؤولية في الحديث الثاني، يكمن تساؤلنا الآتي: لماذا لم يذكر العقل كأحد ادوات التغيير، في الحديث الأول؟ وأي مسؤولية ممكن أن تلقى على عاتق الآخرين دون العقل؟ لأداة التغيير التي تنطلق من اليد، اي ادخال البعد العملي في كل عملية تغيير وبشكل مباشر، ربما لا يحقق مراده وطموحه فيه، لأنه ربما لم يصدر بعد عن عملية تفكير سابقة له، تفهم اليد كأداة مباشرة وأولية في عملية التدخل لتغيير المنكر الى حسن، وحتى اللسان هل ممكن أن يكون اللسان أداة تعبير عن فراغ؟ هل اللسان وما ينطق به لا يتجاوز قلقلته في عملية الإصلاح؟ فالحديث بدأ من اليد وانتهى بالقلب، هل يعني ذلك هناك ارتداد على الذات، بعد اليأس من عملية الأصلاح والتغيير، ليكون اضعفه، وذكر في حديث آخر (المؤمن القوي خيرٌ من المؤمن الضعيف) هل الضعيف هو الذي يعتمد القلب في طموح التغيير فقط؟ وماذا لو كان المقصود بالقلب هو العقل المفكر؟ كما ذكر في احاديث تشير إلى أن مصدر الحكمة هو القلب، هل يتناسب ضعف القلب عن أداء الحسن ودفع المكروه، مع كونه مصدر الحكمة؟ العقل هو أداة حكم وسيطرة على جميع الجوارح وبه يقوى القلب، وان كانت بينهما علاقة تعاون بين القوة والضعف في المواقف. فماذا يعني الانقلاب على الذات؟ وماذا يعني الانقلاب على الذات الجمعية؟ ومتى نفصل بين الذات المفردة وبين الذات الجمعية؟ يكون الأنا هو الجمع والجمع هو الأنا، ومتى يتحقق ذلك؟ طويلة هي المسيرة بين الانقلاب على الذات وبين الذات الجمعية أو الاناوات، أو هي مسافة متفاوتة بين الإنتباه والغفلة، نتذكر من شواهد هذا الانقلاب قرار بشر الحافي ذلك الصوفي الذي انتفض على ذاته، وغير مجرى حياته ومسلكه، ولكن السؤال هنا هل كل انقلاب على الذات هو طريق أنقلاب جماعي أو على الجماعة؟ كثير من الأحيان يتولد من هذا الانقلاب ارتداد ذاتي، ينتهي إلى العزلة والاعتكاف والزهد، وقليل جدا ما يتحول هذا الدافع إلى سلوك اجتماعي عام، يغير من وعي الجماهير ويوقظ ضمير الأمة، فمتى ما استشعر الفرد أنه بحاجة إلى الانتفاضة على ذاته، ووجد في المجتمع ما يقابل آفته، ممكن أن يكون خطوة أولى باتجاه التغيير العام في أرادة وافكار ووعي الناس، وهذه ما تمثلها يقظة المصلحين و المفكرين وارداتهم بتوجيه أفكارهم الإصلاحية الى الشارع والناس والمجتمع، لا يهم مدى تقبلها، المهم هو أن تحدث شرخا كبيراً في وعي المجتمع، وتثار به الجدلية بين إمكانية الإصلاح أو عدمه ومع صعوبته، وهذا ما يحدث في الشارع العراقي، الذي هو بامس الحاجة إلى الانتفاضة على ذاته من أجل تغيير سريع، والا سوف ترفض كل مشاريع الإصلاح وتعرقل، اذا لم يتوفر وعي عميق بضرورته، وما أن كل من يجد في نفسه حاجة إلى ذلك ولم يفعلها، فإنه سيكون ضد اصلاح هذا البلد والإرادات الساعية بذلك، وليس يكون بمقدورنا أن نحول الفعل الذاتي الى فعل جمعي، ولا فكرة الانقلاب على الذات وما نملك وسيلة كافية لإقناع المجتمع بفكرة الإصلاح واتباعه، وكأنه شأن ذاتي، أن كان عليك أن تصلح نفسك فاعتزل!! هذه فكرة خطاب جمهور أرتهن لفساد قادته، واعتاد فعل الرفض لاي فكرة اصلاح، لانه ربطها باليأس! وعندما يكون سواد الاخير أكثر تجهض كل مشاريع الإصلاح، ويفهم طموح الانقلاب على الذوات الجمعية الفاسدة جزء من خراب المجتمع، وتدرك الغالبية من المجتمع بعدها أن أي عملية إصلاح هي عملية فاسدة، لانها لا تصلحهم بقدر ما تفسد مصالحهم، وهذا يدعوهم إلى الدفاع عنها عناداً بفسادهم واصراراً عليه. وهنا ندعو إلى اليقظة، والتنوير، والوعي، لتحقيق انقلاب ناجح على الانا والآخر....
الدكتور رائد عبيس