صحيفة المثقف

الأنا بوجه الآخر.. بدايات التفاعل وإنطباعه

رائد عبيستظهر علامات الحضور بين الآخرين في وجوهم، وتختلف فهي بين القبول والرفض أو الامبالاة، إذ انها تستند إلى عوامل سايكولوجية صرفة في كثير من الأحيان، ربما لا نجد للعقل دور في تقييم حضور الاخرين إزاء حضورنا، ولا ننطلق من مقولة (الناس صنفان أما اخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق) التي ذكرت عن الامام علي بن ابي طالب، فأي مساحة من الاخلاق ممكن أن تتاح للآخر، بدون أن تضيق بهم نفوسنا، بل وحتى دماءنا، واجسادنا؟ فالترحيب السايكولوجي و البايولوجي له أثر كبير في قبول الآخر ورفضه، وهذا ما نحن نراقبه في سلوك الآخر إزاءنا كطريقة السلام، وحركات الجسم، وعلامات الوجه وما تظهره من تعليق أو صمت، عند بعض الناس فمنهم من يحاول أن يتجاوز هذا الأمر ويظهر خلاف ذلك، متصنعاً أخلاقاً ترحابية بالآخر لاعتبارات متعدد كالقرابة أو الصداقة الحميمة، أو المصلحة أو التدين أو سمو الأخلاق، وهناك العكس يعلن لك رفضه بكل ما للكلمة من معنى، فتفصح بها عيونه، وجسده، وطريقة كلامه، واي سلوك اخر يعبر به عن عدم رضاه من الآخر. ما موقف الأنا من ما يظهره الآخر إتجاهه؟ وهو يرى رفضه من خلال علامات وجه، يرى ذاته المرفوضة، والغير مرحب بها، ويرى أناه المغتربة، في وجه الآخر المقابل. كيف ارى ذاتي بوجه الآخر بموضوعية؟ وكيف أفسر كل علامة اتجاهي؟ وكيف اتجاوز ما غير مقبول دون المصارحة أو المقاطعة؟ أي مساحة امنحها للآخر من مساحات وجهي؟ فالوجه المحمر خجلاً أو غضبأ أو المصفر، أو المزرق، أو الشاحب، أو المتلون بالوان الكأبه، والذي يعلن عدم تفاعله التام اتجاه الآخر ووجوده، يترك مساحة من عشرات الاميال بينه وبين الآخرين، إذ أنه يرفض قربهم، وتفاعلهم، وعلاقتهم، وهذا ما يحدث قطيعة بين أفراد المجتمع التي يجمعها موقف واحد، كأفراد الأسرة مثلا او الأقارب، أو السياسي الزعيم ومواقفه من الآخرين وتقليد الاتباع له لموقفه من الآخرين، هل يعني بالضرورة أن الطاعة للزعيم تتطلب قطيعة بايولوجية وسايكولوجية مع الاخر، هناك صنف من الناس عندما يقابل شخص من أبناء العشيرة المخاصم لها، تظهر تلك الخصومة في كل علامات وجهه وسلوكه. فبالوجه نرى صورة الآخر، المخاصم، المتصالح، المعترف، الموضوعي، الانفعالي، وكل مفهوم اخر يكشف المعنى الحقيقي لصورة الأنا في وجه الاخر، من بداية التفاعل وحتى القطيعة، أما في حالات اللاتفاعل فتظهر القراءة الأولى التي تحتاج إلى تأويل سايكولوجي إزاء الآخرين ورغبة الانفتاح عليهم. لماذا علاقة المصلحة والمنفعة والربح تظهر الوجه الضاحك المرحب على الدوام وكان الآخر جزء من ذاتك؟!؟! ولماذا الزعل مثلا يعتم صورة الآخر في وجهك، فلم تعد ترى نفسك فيه رغم قربه منك؟ هذه أسئلة ذاتيه جداً، إذ أن الإجابة متفاوته بحسب سعة اخلاق الفرد وانفتاحه، فهناك ذوات مغلقة، وذات منفتحة، ذات كأيبة، وذات ضاحكة، وذات متفائلة، وذات متشأئمة، وذات منطوية، وذات اجتماعية... وهلم جرا.... إذ لا يمكن بهذا التقابل الثنائي أن نرى ذواتنا بحسب ما نشتهي ونرغب في مزاج الاخر، الوجه مزاج، وكل ما يتفاعل داخلياً يظهر بدون سيطرة خارجياً، فهناك من يكاشف وهناك من يضمر، وهناك من يكابر، وهناك من يتظاهر بوجه الآخرين تبعا للمواقف التي يريد أن يمررها من خلال تلك العلامة، الوجه هو علامة، وإعلان، ودلالة، لها ما يمكن أن تحققه من معان عند صاحبه للآخرين، وهذا يعني أن مساحات التذاوات اي التفاعل الإيجابي بين الأنا والآخر ينتج عبر قبول واستجابة مشتركة. فلا الثقافة المشتركة، ولا العلاقة المشاركة، ولا المستوى المشترك، ولا البيئة المشتركة، قادرة على إنتاج بايولوجية تفاعل ايجابي بين الأنا والآخر ما لم يكن هناك رغبة حقيقية بها. تستبشر بها الذوات فيما بينها وتعلن تفاعلها واحترامها وتذللها وقبولها وخضوعها ورغبتها، وهي ما تصل إلى السادية عند بعض الأشخاص ولاسيما بين المرأة والرجل، والقائد ومواليه، والزعيم ومحبيه.فالمرأ الحريص على كرامته الذاتية، يبقى يبحث عن وجوه سمحاء تتسع لكل الأنوات بالظهور في مرأته، ويجد الآخرون متسع من الاحتواء والقبول الجماعي بما يعلن سماحة الخلق ورفعة النفوس.

 

وللمقال تتمة..... الدكتور رائد عبيس

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم