صحيفة المثقف

حِرَاك بغداد هل هو ثورة أم انقلاب؟

علجية عيشما يحدث في العراق هل هو ثورة الرغيف أم ثورة الكرامة؟ أم انتفاضة كانتفاضة أكتوبر الجزائرية؟، أم هي هبّة شعبية؟ أم هي مجرد ريح ثورية عابرة؟ فقد نجحت الشعوب العربية في تصفية الإستعمار العسكري، ولكنها فشلت في تحرير اقتصادها منه وظلت في حدود دفاعية سلبية، فالإحتكارات النفطية ما تزال تنهب ثروات هذه الشعوب وما يزال الغرب بنفوذه مسيطرا على الثروات النفطية العربية، من كان يعتقد أن الشعوب العربية يصل بها الحال أن تعيش مثل هذه الظروف، وهي التي تغنت بالوحدة العربية في الماضي، وتنقسم شيعا وقبائل، ماذا جرى؟ وماذا يحدث في العقول العربية؟ وهل سينجح الحراك الشعبي في البلاد العربية أم أن نضاله سيتحول إل قفزة نحو المجهول؟

يصر المتظاهرون في العراق على مواصلة تحركهم، إلى أن تتحقق مطالبهم في بناء وطن من مستقر، وبناء دولة لا تعتدي على شعبها كما فعلت الحكومة العراقية الحالية، نحن نتعامل بسلمية ولكنهم أطلقوا النار، هذا ما أعرب عنه شباب الحراك في العراق، فمنذ بداية الحراك بدأت تخوفات من تأزم الوضع والدخول في حالة انسداد، بعد ظهور قوات من مليشيات مختلفة لمواجهة المتظاهرين وبإيعاز من الحكومة الحالية، خاصة في بغداد، وسط مطالب برحيل النظام والمتورطين في الفساد، فبالنظر إلى حجم الخسائر فإن الأمور بدأت تنفلت لتتحول إلى ثورة مسلحة بسبب الأضرار التي أصابت اقتصاديات العراق وقادت شعبه إلى الهلاك، إذ تحول الحراك إلى معركة، أبرزت فيه الولايات المتحدة الأمريكية تدخلها عن طريق التحالف، يقول متتبعون للأحداث أن ما يحدث في العراق ليس مشكل طائفي، بل هو صراع طبقي وليد خطة استعمارية بحتة، منذ أن انعزلت العراق عن بقية البلاد العربية، ولم يكن هذا الإنعزال مؤقتا لأنه كان معاكس لمنطق التطور القومي التاريخي والتحرر الإقتصادي، عندما قامت المبادرة لإنشاء حلف اطلنطي للشرق الأوسط سمي بـ: "حلف بغداد" ومنه بدأ النفوذ الأمريكي بالتسلل إلى العراق وإبرام اتفاقية معها، حيث لعبت أمريكا دورها في الكواليس، فما يحدث في العراق الآن حرب سياسية تجاوزت الحرب الباردة التي شهدها العالم بعد الحرب العالمية الثانية، ما يجعل العراق تخشى من حركات داخلية مثلما حدث في كوريا، فكل ما يحدث من حروب وثورات وراءه أمريكا، أمريكا التي أرادت أن تكون العراق دولة اشتراكية يقودها الحزب الشيوعي، خاصة بعد إخراج العراق من حلف بغداد، وتحويل الديمقراطية الشعبية إلى حكم دكتاتوري انتهازي فردي يتنكر فيه لعروبة العراق، وإعطاء للجمهورية العراقية طابع متعدد القوميات.

ففي ثورة 14 تموز 1958 في القطر العراقي التي كانت ضد نظام الحكم الملكي وإقامة الجمهورية العراقية الكثير من العبر في قضية التحرر السياسي والإقتصادي ونسف السيطرة الإمبريالية بجميع أشكالها من الجذور، والقضاء كذلك على التجزئة، ووضع حد للصراع الطبقي على المستوى القومي، فضلا عن الخلافات التي كانت قائمة بين مصر والعراق أيام الرئيس جمال عبد الناصر واتصالاته مع تنظيم الضباط في العراق، فبغداد لم تكن يوما بعيدة أو منفصلة عن الأحداث، ولم تتوقف يوما في دعمها للبلدان الشقيقة، وكانت ترد بحزم عل نداءاتها، كما فعلت مع الأردن حينما ردت على نداء الملك حسين وأرسلت له مساعدة عراقية، كانت نتيجتها قيام الإتحاد الهاشمي بين العراق والأردن، والمتتبع يلاحظ أن التحركات لم تمتد إلى المحافظات الغربية والشمالية، خصوصاً المناطق السنية التي دمرتها الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية، وإقليم كردستان العراق الذي يتمتع بحكم ذاتي، خاصة وأن الاحتجاجات بدأت في العاصمة بغداد والجنوب الذي يغلب عليه الشيعة، ما دفع بالمحللين إلى اعتبار أن ما يقع في العراق الآن هو صراع طائفي بين السنة والشيعة، وبالرغم من أن المتظاهرين لم يستعملوا الشعارات الطائفية، إلا أن الخطوط العرقية والطائفية المتداخلة خَفِيَّة ولا يريد محبكوها أن تظهر إلى السطح، حتى لا يتدخل طرف ثالث قريب منهم وهو إيران.

والسؤال الذي وجب أن يطرح اليوم هو: ماذا بقي من حضارة البابليين؟، فالعراق اليوم الذي أنهكته الحروب، يعاني شعبه الظلم والإضطهاد، يعاني شبابه من البطالة، بسبب مظاهر الفساد، وهو الذي يملك ثروة نفطية غنية، حسب تصريح منظمة الشفافية الدولية، فهل حقيقة أن العراق يحتل اليوم المرتبة الـ: 12 في لائحة الدول الأكثر فساداً في العالم؟، تشير تقارير رسمية إلى أنه منذ سقوط نظام صدام حسين عام 2003، اختفى نحو 450 مليار دولار من الأموال العامة، أي أربعة أضعاف ميزانية الدولة، وأكثر من ضعف الناتج المحلي الإجمالي للعراق، تقارير أخرى تشير أنه منذ عامين من هزيمة تنظيم داعش، يعيش سكان البلاد الذين يقترب عددهم من 40 مليون نسمة في أوضاع متدهورة، والسؤال يلح على الطرح إذا ما كان الحراك الشعبي في العراق هو نموذج لثورة 14 تموز 1958، حاول فيها الجيش التضييق على المعارضة العراقية الممثلة في النخبة المثقفة، عن طريق القمع والإعتقالات السياسية، اجبرت النخبة إلى اللجوء خارج البلاد بسبب القبضة الأمنية للنظام في العراق والتضييق على الحريات والرأي والرأي الآخر والحوارات السياسية داخل مقاهي بغداد، التي كانت في وقت ما عامرة بالنقاشات السياسية.

أكتوبر الجزائر وأكتوبر العراق اتِّحَادٌ أم تحدِّ

من كان يعتقد أن الجزائر او العراق أو باقي الدول التي تعيش الثورات يصل بها الحال أن تعيش مثل هذه الظروف، ويتباغض أبناء الوطن الواحد بعنف لفظي وعملي، وهي (أي الشعوب) التي تغنت بالوحدة العربية في الماضي، قد انقسمت شيعا وقبائل، ماذا جرى؟ وماذا يحدث في العقول العربية؟، فما يحدث في العراق وفي هذا الشهر بالذات (أكتوبر) يعيد للجزائريين الصورة التي عاشوها قبل 31 سنة مضت (أحداث 05 أكتوبر 1988) فيما سميت بربيع الجزائر التي كانت عبارة عن إجهاض ثورة، وهي انتفاضة أنهت الأحادية الحزبية وفتحت الباب الواسع للتعددية السياسية، لكنها لم تغب عن ذاكرة الجزائريين، ففي مثل هذا اليوم عاشت الجزائر نفس الأحداث التي تعيشها العراق اليوم، خرج خلالها الجزائريون إلى الشوارع احتجاجا على واقعهم ومطالبين بإصلاحات اجتماعية وسياسية واقتصادية، وعمّت المظاهرات التراب الوطني استهدف فيها المحتجون كل ما يرمز للدولة الجزائرية من مؤسسات ومقرات حكومية وأمنية، فكان على الجيش إلا التدخل، بأمر من الرئيس الشاذلي بن جديد الذي فرض حظر التجول ليلا، اسفرت الثورة عن مقتل أزيد من 500 شخص، معظمهم لم تكن لهم علاقة بالمظاهرات، السلطة الجزائرية في عهد الشاذلي اعتبرتها مؤامرة وانقلاب على النظام، وقال عنها بوتفليقة أنه ثورة شعبية، وبالرغم من الخسائر البشرية، فالجزائر بفضل هذه الإنتفاضة الشعبية خرجت من الأحادية (الدكتاتورية) ودخلت مرحلة التعددية، فيها تنفست الصحافة الجزائرية، إلا أن هذا الربيع دخل في دوامة الفوضى، فقد ظلت السلطة وحدها مستولية على الحكم ولم تعمل بما جاء به الدستور الذي أقر التعددية وإشراك الشعب في صنع القرار وحرمته من ثمرة كفاحه، وهو الذي أدرك أن الإستقلال السياسي ليس إلا مقدمة لحل مشاكله السياسية والإقتصادية والثقافية وتحرره من التبعية، ومن بيروقراطية المكاتب أي الإدارة.

فبرنامج طرابلس كان يرى أن النمو الإقتصادي ليس مسألة توظيفات فقط، بل تطبيق الديمقراطية التشاركية من أجل التطلع إلا أفق تاريخي اقتصادي صحيح، حتى تكون التربة ملائمة لنشوء حركة الطليعة في بلد لم ينضج إيديولوجيا بعد وتكون لها صلة وثيقة بالجماهير وتعبئتها، الفارق فقط بين انتفاضة الجزائر في أكتوبر 88 وانتفاضة العراق في أكتوبر 2019 هو أن ما وقع في الجزائر لم يكن له علاقة بالطائفية، رغم أن في الجزائر تعددية مذهبية لكنها متخفية أي أنها تنشط في الخفاء ولم تكشف عن نشاطها إلا في السنوات الأخيرة قبل وقوع الحراك الشعبي، أما القاسم المشترك بين انتفاضة الشباب العراقي وانتفاضة الشباب الجزائري فهو إدراك الشباب أو الجماهير إن صح التعبير بأنهم ما يزالوا يعيشون في ركود سياسي وتبيعتهم للدولة وأن كل منجزات الثورة باءت بالفشل، بعدما سرق اللصوص ثرواتها ودمر منجزاتها، فبات من الضروري التحرك وإعادة الأمور إلى مكانها الصحيح، واستكمال التحرر الوطني، لا يمكن المقارنة بين الحراك الشعبي في الجزائر والحراك في العراق، أو في مكان آخر، لأن المطالب متشابهة بل هي المطالب نفسها، تبقى المسؤولية مشتركة والأخطاء يتحملها الطرفان فيما دار من اقتتال، لأن الخطر القادم يهدد وحدة الشعوب، ولذا فقد حان الوقت لوضع حد للنزاعات والمصالح الآنية، وإعادة النظر في الأفكار والسياسات.

 

قراءة علجية عيش بتصرف

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم