صحيفة المثقف

الشعوب العربية تستجيب لنداء: أين صوت الشعب؟

1184 مجادلة الاخريعرّف المؤرخ الدكتور أبو القاسم سعد الله الجزائري العولمة على أنها مجموعة قوانين واستثمار وإتخام البلاد بالمستوردات وإلغاء الثوابت الوطنية، ويقول أن الديمقراطية ليست حكرا على جنس أو دين أو بلاد وإنما هي ممارسة صالحة إن احترموها، كما يصف أبو القاسم سعد الله منظمة التجارة العالمية وتبعاتها وتداعياتها على الإقتصاد الوطني بأنها عبارة عن أخطبوط، وأن الشعبوب لم يؤخذ برايها في مسالة الإنظمام أو عدم الإنظمام إلى المنظمة، كما يسلط سعد الله الضوء على الثقافة العربية والعولمة، إذ يقول وجحب على الثقافة العربية أن تواجه التحديات الكبرى لتكون في مستوى العصر القادم، أو تختفي عن الأنظار وتترك المجال لثقافات أخرى أولى منها بالحياة والبقاء، لأن البقاء للأقوى والفضل للمبدع لا للمجتر، هكذا تقول قوانين الطبيعة

"العولمة والآخر والهوية والتحرّر والديمقراطية" كما جاء في المقدمة، هي من مصطلحات المرحلة التي تعيشها الشعوب وكانت من اهتمامات المثقف، يستعملها في كتاباته ويدلي فيها بنصيبه من المعرفة، وهذه المصطلحات وردت في مقالات كتبها المؤرخ الدكتور أبو القاسم سعد الله جمعها في كتاب بعنوان: "مجادلة الآخر"، سلط فيها الضوء على قضايا شغلت بال الباحثين والمفكرين والأمة العربية، ومن أبرز هذه المقالات نقرأ مقال يبحث فيه كاتبه عن صوت الشعب، وقد عنوانه بـ: أين صوت الشعب؟ رسم فيه لوحة للوضع الذي وصلت إليه البلاد العربية، ومأساتها ليس في الجزائر فحسب وإنما في كل الأقطار التي تتقاسمها اللغة والدين والثقافة والعادات والتقاليد، وجب أن يقول الشعب كلمته بحرة واقتناع لأنها تتعلق بمصيره، مصير الوطن الذي يعيش فيه ومن أجله وليست آنية ذات تأثير محدود في الوقت والإنسان، وهاهي الشعوب تستجيب لنداء أبو القاسم سعد الله وترفع صوتها عاليا عن طريق الحراك الشعبي والإنتفاضات لتغيير النظام.

 وكعينة يقدم الدكتور سعد الله في هذه المقالة كيف غُيِّبَ الشعب الجزائري عن إشراكه في الإستشارة والإستفتاء في قضايا مصيرية مثل المنظومة التربوية ومنظمة التجارة العالمية وهو يردد شعار الديمقراطية التي تعني حكم الشعب الحاضر، ولا تعني التفويض المطلق بأن يحكم أحد باسمه في كل الأحوال ومهما طال الزمن، في وقت تعرض قضايا الشعوب الغربية أمامها وفي حضورها وإبداء رأيها بالموافقة أو عدمها لأنها رائدة ولأن مسؤوليها يحترمونها، لأنهم يحكمون باسمها ويعملون لمصلحتها، بينما الأنظمة العربية تقدم لشعوبها المشاريع والأفكار جاهزة دون أن تطلع على تفاصيلها، لأنها (أي الأنظمة) ترى في شعوبها كمستهلك لا غير، ثم يأتي المسؤول ويعلن بأن الأمر فصل فيه وانتهى واصبح الشعب ملزما بالتطبيق.

عن الديمقراطية يتحدث ابو القاسم سعد الله عن استعمالها في لحظة سياسية واحدة وهي الإنتخابات، كما نلاحظه الآن في الجزائر وهي لحظة تظهر الأمور غير الحقيقية، خطابات مزيفة ومشاريع مغشوشة وأفكار مسروقة، وبرامج واحدة ومفردات واحدة والإخراج واحد، فإذا انتهى العرس ويعود الضيوف ( الشعب)، أي بمجرد الإعلان عن نتائج الإنتخابات، تغيب الديمقراطية ويختفي اسمها وتعود الأمور إلى ما كانت عليه، إلى نقطة الصفر، بهذه الطريقة تضحك الأنظمة على شعوبها، وبكل أنواع الحيل، يحدث هذا في الجزائر وفي هذه الفترة بالذات، كما يحدث في بقية البلاد العربية، وفي مرحلة أطلقوا عليها عصر "العولمة" ومكافحة ااإرهاب الإسلامي، ونسيت السلطة أنها الإرهاب نفسه، لأنها تخذر الشعوب بافكار تسلطية دكتاتورية، بل فاقت حدود الإجرام.

 يعرّف أبو القاسم سعد الله العولمة على أنها مجموعة قوانين واستثمار وإتخام البلاد بالمستوردات وإلغاء الثوابت الوطنية، إذ يقول: يكفي الوقوف على شوارعنا وساحاتنا وحافلاتنا وطرقاتنا وقطاراتنا ومساكننا، وهل تعليمنا ومؤسساته وطلابه يتلقون ما يجعلهم يعيشون عصر العولمة دون خطر عليهم؟ سؤال طرحه ابو القاسم سعد الله، ثم يرد: فإذا كان الجواب بالنفي لماذا يخرجون علينا كل يوم في قبح وكبرياء بأننا نعيش عصر العولمة والحداثة؟ وإذا كان الجواب بالإثبات فهو هراءٌ هذيان، ويصف أبو القاسم سعد الله منظمة التجارة العالمية وتبعاتها وتداعياتها على الإقتصاد الوطني بأنها عبارة عن أخطبوط، كما أن السلطة (الجزائرية) لم تستفت الشعب في الإنظمام أو عدم الإنظمام إلى المنظمة، فمصير الإصلاح يمس كل الشعب ويؤثر على كل الأجيال، فلا يصح أن يصاغ الإصلاح من اصحاب النزوات والموتورون من أنصار العلمة والحداثة وحدهم، ثم يفرض على الشعب دون أن يدلي برأيه في الموضوع.

أما مصطلح " الجزأرة" كما يقول الدكتور ابو القاسم سعد الله في مقال له بعنوان: "تأصيل الهوية" بأنه مصطلح ظهر في الجزائر مع بداية الثمانينيات عندما بلغت الأمور حدها من العنف والتطرف، وقد استعمل المصطلح كتيار سياسي للدلالة على انطلاق الجزائر من تجربة علمائها ومفكريها إلى تجربة العلماء وة المفكرين الأجانب، أما اليوم فالجزأرة تستعمللإضفاء الطابع الثقافي في المدن الجزائرية، في غياب مؤسسات التوجيه المعنوي والتعبئة الفكرية والثقافية، وكما يقول هو في نفس المقال: " لا يعقل أن يحارب الجزائريون قرابة ثماني سنوات ويستشهد منهم مليون ونصف مليون ثم يتقاعسون عن استكمال مظاهر الإستقلال والسيادة في إحياء الرموز التاريخية والفكرية للوطن".

والحقيقة أن أفكار ابو القاسم سعد الله تحمل الروح الثورية المحبة لبلدها والغيورة عليه، ولنقرأ ما يقوله في هذه المقالة: إن الزائر بلادنا يصدمه بقاء مظاهر الإحتلال في المدن الجزائرية، بما فيها العاصمة، ولا شك أن الزائر سيتساءل مع نفسه: هل عجز الجزائريون عن استكمال الشوط الأخير من استرجاع استقلالهم؟ هل فيهم أنصار العهد البائد الذين يحبون بقاء الطابع الأجنبي لبلادهم؟ وربما يتحدث هنا عن الأحياء والشوارع التي ما تزال تحمل أسماء الكولونياليين، ويضيف بالقول: كيف يعقل أن تغير الجزائر من نظامها السياسي والإقتصادي ومن مواثيقها وقوانينها ونظامها التربوي من أجل مواجهة العولمة والتعايش مع الآخر؟ ثم لا تهتم بتغيير بيئتها وبنيتها الداخلية التي تعطيها حقيقتها بين الدول والأمم والجماعات؟ أم هم مجرد كتلة بشرية تأكل وتتناسل وتموت؟، وبلادهم مجرد منطقة جغرافية تستقبل الجيوش الغازية غادية ورائحة؟، وبأسلوب الثوري يرد ويقول: معاذ الله أن يكون الجزائري الحرّ من الصنف الذي يعيش ويتناسل ويموت، إن الجزائري "السلبي" فقط هو الذي لا يصنع التاريخ بل يُصْنَعُ به التاريخ.

ففي مقال آخر سلط فيه الضوء على الثقافة العربية في مجموع عناصرها من أدب ومسرح ورسم وموسيقى وعلاقتها بالعولمة وما تواجهه من تحديات كبيرة في مواجهة العصر القادم، أو تختفي عن الأنظار تاركة المجحال للثقافات الأخرى أولى منها بالحياة، لأن البقاء للأقوى والفضل للمبدع لا للمجتر، هكذا تقول قوانين الطبيعة، يقول أن مصطلح العولمة دخل أدبياتنا منذ عشرين سنة ولكنه لم يدخل كمصطلح ثقافيس أو ادبي وفني وإنما دخل كمصدلح إعلامي سياسي واستراتيجي واقتصادي وهو بذلك سيطرة قطب واحد أو دولة واحدة على سير ومصير العالم كله بكل ما في هذا العالم من أمم وحضارات وثقافات وتواريخ ولغات وأديان ومذاهب، والإنسان ألأمريكي ياخذ منة النرجعية بقدر ما يحتاجه منها في اللحظة، كما أنه ليس غيور غيرة عقائدية على معتقداته وآثاره ألأدبية لأنها عنده قابلة للتغيير والتغير وليست ثابة، فكل شيئ عنده يمكن النظر فيه إذا كان سيتحول إلى صفقة رابحة، لأن العمل في امريكا هو المقدس، الكل يعمل والكل ينتج ولا توجد بطالة، حتى اللغ عند المواطن الأمريكي ليست مقدسة وهي قابلة للتطوير والتطويع، ليستخلص القول أن الأمم اليوم تعيش الهيمنة الأمريكية وليس العولمة.

فهذا التوجه في الحياة الثقافية والتاريخية هو الذي أفسح المجال للعابثين والجهلة من ابناء جلدتنا الذين هم ضحايا لتاثيرات خارجية ـ فبدلا من أن يعاد ألإعتبار لمن أهملهم ألإستعمار راح البعض يبصب باليمين على الصك الذي قدمته جهات مندسة أو محسوبة على البلاد تاركة مخلفات الإستعمار في الأحياء والشوارع من اسماء ورموز استعمارية عاثت فسادا في البلاد، فكان من ألأفضل أن يتقدم اسماء ابطال وشهداء جزائريون وعرب الذين دافعوا عن الجزائر وحضارتها، على الأسماء الكولونيالية التي تملأ شوارع الجزائر ومدنها، وهي التي تزخر بتاريخ ثوري وصل صداه المعمورة، فدولة الموحدين والمرابكية وبني زيان ودولة بني رستم ودولة بني حماد وغيرها وجب ان تؤخذ مكانها في الشوارع والساحات وكذلك بعض ملوك وأمراء تلك الدول، ولو كان على الجزائر أن تكرم غير ابنائها كان عليها أن تكرم جمال عبد الناصر الدي آثر الثورة الجزائرية وأعطاها في وقت الشدة من اسمه واسم بلاده، واسماء أخرى تفتخر بهم الجزائر في مختلف المجحالات العلمية والمعرفية كعبد الرحمن الأخضري وابن معطي الزواوي وأحمد الونشريسي ويحي ابن خلدون شقيق العلامة ابن خلدون وغيرهم.

 

علجية عيش

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم