صحيفة المثقف

إلى متى يظل التضييق على المثقف والمبدع مستمرا؟

علجية عيش(بخصوص منع 56 كتابا من العرض في صالون الكتاب الدولي في طبعته الـ: 24 بالجزائر)

تظل حرية الفكر والتفكير وحرية الإعتقاد والتمذهب من القضايا التي يواجهها المثقف في المجتمع العربي، فماذا يعني ان يحجب 56 كتابا من العرض من أصل 183 ألف كتاب تم تمحيصه من قبل لجنة القراءة والمراقبة التابعة لوزارة الثقافة في الصالون الدولي للكتاب في طبعته الرابعة والعشرين في الجزائر لا لشيئ إلا لأن هذه الكتب لا تناسب الثقافة الجزائرية كما صرح بذلك محافظ الصالون، فهذا التصريح يعكس الواقع الثقافي الذي تعيشه الجزائر الذي اتسم بالهشاشة، هناك من يرى أن رفض هذه الكتب من العرض جاء ليس من باب التخوف على تفكير الشباب الذي يطالب بالتغيير ويتطلع إلى الضفة الأخرى هروبا من التضييق عليه ومن الظروف التي يحياها فحسب بل ان بعض الشباب ما زال غير مسلح بالوعي، وسريع التأثر، خاصة إذا وجد في خطاب الآخر ما يجذبه إليه.

 وهناك من يرى ان هذا التصرف الغير حضاري خيانة للثقافة وللمثقف وللمبدع، وتضييق على حرية الفكر والتفكير، وعلى الحريات الفردية، إذا قلنا أن القارئ الجزائري عادة ما يبحث عن "النادر"، فمنع هذه الكتب من العرض ناتجا عن غياب الفاعلية، والسؤال الذي يمكن أن نطرحها هنا هو: هل منع هذه الكتب من العرض ستكون حاجزا تفصل القارئ الجزائري عمّا ينشر من أفكار هنا وهناك، في ظل التطور التكنولوجي الذي كان نافذة يطل عليها الفرد ليكشف العالم وما يحيط به؟، لقد أصبح الإنترنت ومواقع التواصل الإجتماعي تُصَدِّرُ وتُسَوِّقٌ كل شيئ، حتى الأفكار، ولن ينتظر القارئ مهما كان موقعه من خريطة العالم الكتاب الورقي ليطلع على أحوال الشعوب ومذاهبها ومعتقداتها وثقافتها وعاداتها وتقاليدها، وليس هذا الكلام تقليلا من أهمية الكتاب الورقي الذي يعد مرجعية فكرية يعتمد عليها الباحث في بحوثه ودراساته، أو التقليل من دور النشر وما تقوم بها من جهد في ترقية الإنتاج الفكري.

 المثقف المستنير يحشر نفسه في كل شيئ ولذا تجده يبحث وينقب في كل ما يصدر، يكرس وقته ليعرف ما هو خافيا عنه، ولذا يمكن القول أن منع هذه الكتب لا ينفع ولا يضر، طالما العلاقات الثقافية بين الجزائر والدول التي أصدر كتابها ومبدعوها هذه الكتب قائمة مثلما نجده في علاقات "التوأمة" بين المدن الجزائرية والمدن الفرنسية ( قسنطينة وغرونوبل) والتي غالبا ما تكون في إطار التبادل الثقافي، في الوقت الذي نرى فيه رؤوس الأموال تستثمر في أنشطة ترفيهية وفي تنظيم معارض أزياء وملكة الجمال أكثر من الثقافة، ثم أن محاصرة الإنتاج الفكري للإنسان لا يغير من الواقع شيئا، فالثقافة موقف.. والمثقف وجب أن يكون منفتحا على كل الثقافات وأن يعلن موقفه صراحة من القضايا المطروحة في الساحة، والسؤال الذي يلح على الطرح هو ما الذي يخيف وزارة الثقافة من عرض هذه الكتب؟، فإذا أراد أيّ فرد اعتناق ديانة أخرى غير الإسلام كالمسيحية مثلا فبلا شك ستكون الكنائس وجهته، وهي منتشرة بكثرة في الجزائر.

 فالمدن الجزائرية الكبرى لا تخلوا من الكنائس، وما الزيارات التي يقوم بها الجماعات اليهودية أو المسيحيين ( الأقدام السوداء) خير دليل على وجود التعدد الفكري، المذهبي والعقائدي في الجزائر، وإنما هم يدخلون بشكل متخفي عن طريق الوكالات السياحية (كسوّاح لا كزوار للمعابد)، ثم أن الحضور اليهودي ظاهرةٌ بصماته في النوبة الأندلسية وفي بعض الطبوع كما يرى بعض الباحثين، وتقام له الندوات والملتقيات والمهرجانات وتخصص له ميزانيات من خزينة الدولة، في الوقت الذي تعلن الوزارة عن غياب الإمكانيات المالية لدعم دور النشر، وأمّا إن أراد الإنتماء إلى المذهب الشيعي، فالتشيع جذوره في الجزائر متجذرة ومنتاشرة منذ أيام الدولة الفاطمية أو قبل، وما يزال شيعة الجزائر يروجون للفكر الشيعي، ليس هذا الكلام من باب التحريض أو زرع الفتنة أو صب الزيت على النار كما يقال، وإنما هي مجرد رؤية تتعلق بوعي الشباب الجزائري الذي أثبت اليوم وعيه في الحراك الشعبي، ولم يعد مغررا به فكرا وثقافة ولا حتى سياسة كما كان من قبل، كما يتعلق بمدي الوثوق بالمثقف الجزائري ومتى يمارس المثقف حريته بل يعيشها إن صح القول، في مجتمع ينخر فيه الفقر الفكري، حتى لا يظل لاهثا وراء ما تعرضه الوزارة التي هي جزء من السلطة ولا يمكنها أن تنحرف عن المسار الدي ترسمه السلطة.

 

علجية عيش

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم