صحيفة المثقف

مدرسة البندقية الايطالية للفن الاسلامي

1312  شمهود 1في القرون الوسطى كان الاوربيون قد سأموا من التقاليد الفنية اليونانية الموروثة وكانوا تواقين الى التجديد والبحث عن نوع جديد من الفن يثير الابداع والابتكار واكثر بهجة .. وقد وجدوا ضالتهم في الفن الاسلامي وكانت اسبانيا قد سطعت على اوربا بحضارة جديدة واصبحت قرطبة اكثر المدن الاوربية ازدهارا وعظمة، وتأسست فيها جامعات يدرس فيها مختلف صنوف المعرفة والعلوم، وكان ملوك واغنياء اوربا يبعثون ابنائهم للدراسة في قرطبة .. كما كانت الحروب الصليبية جسرا في نقل المنتجات الصناعية والفنية الاسلامية يضاف الى ذلك ان جزيرة صقلية هي الاخرى كانت بابا آخر لنشر الثقافة الاسلامية في الغرب .

وفي القرن الخامس عشر كانت مدينة البندقية الايطالية قد سكنتها جالية مشرقية منهم صناع مسلمين كانوا قد اسسوا لهم ورشاة يعملون فيها على انتاج التحف الفنية والصناعات الشرقية فانتشرت في المدن الايطالية، حتى انه نشأة مدرسة - بندقية شرقية - كانت خليطا بين الموضوعات والزخارف الاسلامية وبين الذوق الايطالي في عصر النهضة . كما ان مدينة البندقة قد سكت عملة ذهبية عليها احرف عربية وآيات قرآنية للتعامل بها مع المسلمين، وانتشرت الازياء العربية بزخارفها المبرقشة والفضفاضة والوانها الحارة الجذابة وكذلك طراز العمارة الاسلامية وكان التجار الشرقيون يتجولون في شوارع المدن الايطالية بازيائهم العربية الفضفاضة والملونة باجمل الالوان والزخارف، حتى وصلت الزخارف الى ورشاة الرسامين منهم دافنشي الذي رسم عدد من الزخارف الاسلامية . وبالتالي ااختلطت المجتمعات المشرقية مع الاوربية وانتشرت الفنون الاسلامية في اوربا حتى انطبعت بطابع شرقي لازالت آثاره ظاهرة حتى اليوم خاصة في عمارة ابراج الكنائس .

1312  شمهود 2

– بعد فتح القسطنطينية عام 1452 م احتلت الدولة العثمانية عدد من الدول الاوربية الشرقية حيث بدأ الاختلاط مع الاجناس الاجنبية يعم، فادى ذلك الى اتساع افق الفن وان يخرج المسلمون رسوم جديدة تختلف عن تقاليدهم الموروثة . وفي هذه الفترة دخل شيئا مهما وجديدا على المسلمين وهو الاهتمام بالحياة الدنيا والترف بعدما قتلهم الزهد والتصوف، فسرعان ما انتشرت القصور الخيالية ومجالس الطرب واللهو حيث مال اليها الحكام الذين لم يلتزموا بتعاليم الدين .. ومنذ ذلك الحين ضعفت المسحة الدينية في قصور الخلفاء والامراء ثم تسرب ذلك الى المجتمع . ومن ناحية اخرى انتعشت الفنون الاسلامية في الدولة العثمانية والدولة الصفوية وظهرت مدارس فنية في مدن تبريز وهراة وسمرقند ودلهي وبغداد اسطنبول وغيرها. وظهرت الرسوم تزين القصور والاقمشة الحريرية الفاخرة والاواني والفخاريات المزججة بانواع الالوان الاخاذة، ثم انتعشت رسوم الجدريان خاصة في قصور الامويين والعباسيين ومنها صور اباحية . ويذكر الرحالة الفارسي ناصر خسروا انه دخل عام 1047 م في احد قصور الفاطميين وانه اخترق 11 قاعة حتى استقر في قاعة 12 وهي قاعة العرش فشاهد فيها من الذهب والجمال ما لا يوصف منها مناظر صيد وزخرفة وكتابات عربية تزين جدرانها .

1312  شمهود 4

ولكن هذا الاختلاط المجتمعي الشرقي الغربي احدث معه فنون مختلطة الاساليب والاذواق فاخذت الفنون الغربية تدخل الدول الاسلامية بالتدرج واستدعى السلاطين العثمانيين رسامين من ايطاليا للعمل في البلاط مثل الفنان بلليني الذي رسم السلطان محمد الفاتح باسلوب غربي، كما تطور التبادل التجاري بين ايران الصفوية والغرب فدخلت المنتجات الغربية وهي محملة بصنوف فنونها وتقاليدها واختراعاتها خاصة في زمن الشاه طهماسب واصبح هناك لوحات غربية معلقة في البلاط الى جانب اللوحات الاسلامية . كما ان الشاه اكبر الهندي استدعى فنانين اوربيين ليعلموا الفن الغربي لبعض الرسامين المسلمين الهنود وفتح لهم ورشة عمل في البلاط . وعندما دخل الاستعمار الغربي الدول العربية والاسلامية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، بدأوا بتأسيس مدارس فنية تدرس الفن الغربي . كما اخذت تبعث ابنا العرب لدراسة الفن والادب في عواصمهم مثل روما وباريس ولندن، وهكذا بدأ الفن الاسلامي ينسحب ويتوقف عن الممارسة والنموا والتطور في المجتمع الاسلامي .

1312  شمهود 3  

غروب الفن الاسلامي 

ماذا يعني توقف او انهيار الدولة وفنونها وثقافاتها؟ هل هو انهيار مادي او روحي ثقافي ..؟ قبل كل شيء، يجب ملاحظة ان موت الدول في بعض الحالات يكون علامة لحياة جديدة اكبر. وهذا يعني ان الحضارات تعبر من امة الى اخرى، فاذا ماتت امة انتقلت حضارتها الى امة اخرى بالمفهوم المعنوي اي الثقافي والعلمي .

فموت الامم قد يعني موتها ماديا، أي اختفاء المجتمع من الوجود. وقد شهد تاريخ البشرية نماذج كثيرة لأمم وحضارات قامت وازدهرت ثم اختفت من الوجود. لكن المثال الابرز الذي يرد فورا الى الذهن هنا هو دولة العرب والمسلمين في الاندلس التي عاشت لثمانية قرون كاملة متصلة ثم اختفت سلطتها السياسية من الوجود . نعم اختفت ولكن عبرت حضارتها وفنونها الى امم واقوام اخرى كالتقاليده الاجتماعية واللغة والثقافة والفنون خاصة فن العمارة حيث استمر المدجنون العرب والموريسكيون والمستعربون في بناء العمارات الدينية والمدنية على غرار الطراز الاندلسي .

غير ان انهيار الدول والامم ينصرف ايضا الى معنى آخر غير معنى الاختفاء المادي الفعلي. الامم قد توجد على قيد الحياة، لكن بلا وزن ولا تأثير ولا دور فاعل في عالم التقدم والمكانة وسط الامم الاخرى المتقدمة ومقارنة بها . بمعنى تبقى امة مستهلكة سلبية يتحكم بها الاجنبي السيد ويأتيها قوت حياتها من الخارج، مثل الدول العربية .

 

د. كاظم شمهود

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم