صحيفة المثقف

أحوال الناي

ياسين الخراسانيألفت من الحياة صمتها وثغاءها

و من الحزن إلحاحه على الباب:

إفتح يا ابن الكلب واخرج نكمل جولة اللعب

فحجر النرد لم يعثر بعد على الرقم السابع ...

 

كنت غائبا يوم وُزِّعت اللغات على البرِيّة

فكان نصيبي ما بقي من لسان البدو:

يكفيك حرفان للحب والألم وشراء الفول والعدس

كل ما زاد فهو فضل وانتصار على القدر

فلا تسرف في سوء النطق

و ادخر كلامك للشهادتين ... قال لي حامل الأقلام

 

لي رئتان مليئتان بغبار الطريق والزمن

أشتهي الغناء في أزمات الرَبْو

فصفير صدري مؤنس كالربابة والناي ...

تعلمت ركوب الخيل، كانت آخر وصية لأبي على باب غياهب السجن:

نحن في آخر الزمان وحرب القيامة

على الأبواب، فتعلم ما تدفع به الأذى

عن نفسك أو تجلبه للآخر ...

تعلمت ركوب خيل الخيال وإن نزلت

عنها لهَوت بحصان الخشب ...

 

لن أقول أن أبي اعتلى صهوة الإقدام

و داس على أخضر الليل ويابس النهار

فأبي عربي، وهذه كفايته من الوصف

 

أنا رعوي الطبع

رأيت جراراً فشربت

و فتاةً فهويت

و موتاً فأسرفت في الكلام

أُعْجِمت لغتي في الحلم، ضاق الصدر واشتد الإيقاع

فلا بد من الغناء

نايات على الباب متأهبة للشدو

قليل من الهواء وكثير من الصخب: هكذا أوجز سيرة الرعوي

 

و أحوالي ثمانية

منها الدوران على النفس كالتوجه إلى الكعبة

لكن القِبلة دائرية

منها حالة التبغ، أعب هواءً فاسداً

لا أعرف تفاصيل عن أصله وأخته ودخانه

لُفافتان تكفيان لصد ذكرى الهزائم

لي مع الذكريات عقد استيراد دائم

(لن أسهب فأنا خجلان من صيغة العقد)

و حالة الفزع الأعظم عند النهوض من النوم

من حسن الحظ تليها دائما حالة التبغ

و لست أطيل فأحوالي ثمانية

و قد تزيد بعدد القصائد

و نصفها يحدث بين رمشة وثانية

 

أصدقائي ثمانية أيضا

صاح بي أولهم عند ركوب الموج:

تمهل فموت الشمال حزين وموتنا سهل ومرح

أما الباقون فكانوا على المركب، كنا سبعة أرواح،

و كنت الناجي الوحيد والقط في الحكاية

 

ناي للربو، ناي للشتائم، ناي إذا اشتد لدغ الثعابين

أعزف لها فترقص رجلاي، وتغضب الحَيَّة من

قلة شرف المنافس

 

في قلبي شظية من الذكريات إن نزعتها مت

و إن تركتها أتلفتْ علي وزن القصيدة

فمنزلتي بين المنزلتين

أموت حياً، وأحيا بصفات الميت ...

 

حفظت نتوء الجدار وصرير الباب وأخبار الغد والأمس

فلي وقت سائب معطل العقارب

إن أوَت إليه مخيلتي وقطتي، مسَّدت على فروهما

و قلت تصبحون على حال من تلك الأحوال ...

***

ياسين الخراساني

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم