صحيفة المثقف

يوميات الخيبة

ياسين الخراسانياليوم الأول

لَسْتَ في قَفَصِ الإتِّهامِ إذَا مَالَتِ الإحْتِمَالاتُ نحوَ طَريقِ الكِتَابَةِ،

أَعْرِفُ أَنَّكَ أَصْبَحْتَ لا تَشْتَهِي كُوبَ شَايٍ ولا قَهْوَةَ الفَجْرِ.

لا يَعْبَثُ الوَلَدُ الطَّيِّبُ اليَوْمَ بالمَوتِ. لا يَمْحَقُ الأشْقِيَاءَ

ولا يُتْعِبُ القَلْبَ بالجَرْيِ بينَ الحُروفِ.

يُبَاعِدُ بينَ الكَلامِ: سَتَمْسَحُ عَنْ دَفْتَرِ الشِّعْرِ

فَائِضَهُ مِنْ غُبَارِ القَوَافِي.

تَعَلَّمْ مُتَابَعَةَ الأُقْحُوانِ كما نَحْلَةٌ

تَسْتَقِي مِنْ غَدِيرِ الرَّوابِي رُضَابَ المَلائِكَةِ الفَذَّ.

لا تَكْثَرِتْ للسّحابِ وإنْ لَوَّثَتْهُ المُخَيِّلَةُ المُسْتَحيلَةُ بالأسْوَدِ الفَحْمِ.

لا تَبْسُطِ البَصَرَ الرَّحْبَ نَحْوَ بِلادِ الكِنايَةِ، أَنْتَ كَغَزَالِ المَجَازِ

يُصَادُ بِشِبَاكِ الكَآبَةِ. لا لَوْمَ إنْ غَاصَتِ الرِّجْلُ في الوَحْلِ،

هَلْ أَنْتَ كُفْءٌ لِوَصْفِ الغَديرِ وَرَصْدِ الحَمَامِ وَعَبِّ الهَوَاءِ

بِلا حَاجِزٍ مِثْلَ أصْحَابِكَ السُّعَداءِ...

تُعِيدُ السُّؤَالَ بِلَا ضَجَرٍ:

هَلْ يَحِقُّ لِراعٍ غِنَاءَ الرَّبَابَةِ مَا دَامَ ذِئْبٌ يَهُشُّ على غَنَمِ الكَلِمَاتِ؟

وَهَلْ حُقَّ للخَائِفٍ اليَوْمَ بِالنَّوْمِ مِثْل الجَمِيعِ بِعَيْنَيْنِ مُغْمَضَتَيِن؟

**

اليوم الثاني

مَالَتِ النَّفْسُ نَحْوَ نُجُومِ السّمَاءِ.

أُرَتِّبُ حَالِي قَبْلَ المَنَامِ لِكَيْ يَبْزُغَ البَدْرُ

فِي حُلَّةٍ لا تُعِيفُ المُثَابِرَ فِي رَصْدِ جُرْمِ السّمَاءِ.

أُمَسِّدُ صَدْرِي مِنْ تَعَبِ اليّوْمِ: أُخْرِجُ مِنْهُ ضَبَابَ بِلادِ الشّمَالِ،

كَرِهْتُ البَيَاضَ وَلَوْنَ الرِّدَاءِ عَلى شَبَحٍ عَالِقٍ فِي الهَوَاءِ،

سَئِمْتُ الخُرُوجَ مِنَ البَيْتِ تَحْتَ غِطَاءٍ مِنَ المَاءِ.

لَسْتُ أَرَى فِي المَدَى أُرْجُوَانَ السّمَاءِ

يَسِيغُ كَمَا رَشْفُةٌ مِنْ نَبيذِ الدّوَالِي...

تَذَّكَّرْتُ أَنِّي عَلَى أَمَلِ النّوْمِ: لَنْ أُكْرِهَ النّفْسَ

بالكَلِمَاتِ السّخِيفَةِ عَنْ حَالِ بِلادٍ أَراهَا كَمَا هِيَ:

تَفْتَحُ بَابَ المَعَاشِ

وتُغْلِقُ

كُلّ النَوَافِذِ

كُلّ المَسَامِّ على الجِلْد

**

اليوم الثالث

هَا أَنَا أُكْمِلُ الوَرَقَ الأَبْيَضَ المُتَنَاثِرَ فَوْقَ البَلَاطِ.

أَرَى خَوْفَ فَأْرٍ يَجُرُّ إلى جُحْرِهِ دَفْتَراً

يَمْلَأُ الرِئَتَيْنِ صُرَاخًا وَوَلْوَلَةً.

لَنْ يُصيبَ الحَيَاةَ مَعَابٌ

إذَا نَامَتِ الكَلِمَاتُ يُعَانِقُها جُرَذٌ

لَسْتُ أَخْشَى مُفَارَقَةَ الوَرَقِ الرَثِّ لِي:

كَمْ مِنَ الشّعْرِ صَاحَبَ أقْذَرَ مَا يَطْرَحُ الجِسْمُ فِي دَوْرَةِ المَاءِ

بَعْضُ الحُروفِ لِإينَاسِ فَأْرٍ وَحيدٍ:

كَأَنِّي أَرَى هَالَةً فَوْقَ رَأْسِ الكَلامِ المُدَوَّن

**

اليوم الرابع

تَعْرِفُ الأُحْجِيَاتُ طَريقًا يُقَارِبُ بَيْنَ الجَنُوبِ وَرُوحِي.

أَنَا لَسْتُ ذَاكَ الفَتَى يَحْمِلُ القَلْبَ فِي رَاحَةِ اليَدِ،

يَرْمِي بِنَرْدٍ وَيَرْكَبُ مَا شَاءَ جِنِّيُّهُ مِنْ بِسَاطِ الرّيَاحِ.

أَنَا سَائِحٌ لَوَّحَتْ حُورِيَاتُ البِحَارِ لَهُ فَتَشَرَّدَ فِي مَلَكوتِ الخَيَالِ،

أَضَاعَ سَمَاءً مُرَصَّعَةً بالنُجُومِ التِّي كَانَ يَحْفَظُ مِثْلَ المَدَى المُتَشَرْذِم

فَارَقَ أَشْبَاهَهُ لِمُصَاحَبَةِ الظِّلِّ وَالهَامِشِ الفَجِّ

كُلُّ الحِكَايَاتِ لِي مُنْذُ جَلْجَامِشَ المُتَسَائِلِ عَنْ سَبَبِ المَوْتِ،

مُنْذُ حَكَايَا الحِصَانِ المُجَوَّفِ، أَوْ لَعْنَةِ المَلَكِ المُتَكَبِّرِ

لَا يَقْبَلُ الإنْحِنَاءَ لِمَنْ طِينُهُ جَفَّ بالنّارِ والحِقْدِ

لَسْتُ أَعَافُ الحَيَاةَ المُصَابَةَ بالجُذْمِ

لَسْتُ أُريدُ البُكَاءَ عَلَى حَائِطِ الكَهْلِ،

مَا أَشْتَهِيه بَسِيطٌ كَرَشْفَة مَاءٍ:

عُثُورٌ عَلَى النّفْسِ قَبْلَ انْتِهَاءِ الحِكَايَة

***

ياسين الخراساني

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم