صحيفة المثقف

(إِرَمَ) ذاتِ القَتادْ

مصطفى عليما بينَ كُثْبانِ الرِمالِ السافِياتِ لَمَحْتُها

في هَوْدَجٍ من فضَّةٍ

فَقَطعْتُ دربَ القافِلةْ

شَغَفاً بِأسْرارِ السُرى

لا بالغنائمِ والسِلالْ

 

وَرَأيُتُ آلافَ الهوادجِ قد تَدَلّتْ

من سَماءِ القُبّةِ الزرقاءَ ليلاً

حوْلَ أسْنَمَةِ الجِمالْ

 

روميّةٌ، قوطيّةٌ،هنديّةٌ، بوذيّةٌ،

عِبْرِيّةٌ، غَجَريّةٌ

مِنْ كُلِّ وادٍ لَبْوةٌ

من كُلِّ أرضٍ زهْرةٌ

من كُلِّ فَجٍّ في الفلا

شَبَحٌ يُلَبّي دَرْهَماً

وَيَطوفُ إحْراماً بِمِحْرابِ (الرِيالْ)

 

فسألْتُ حادي العيسَ هلْ

بينَ الرواحلِ مُهْرةٌ عربيّةٌ

بالإسمِ أو بالرسْمِ أو

فيما تراكَمَ من خِصالْ

 

فأَسَرّني مُتَسائلاً:

من أيِّما بَلَدٍ ومن أيِّ الدِيارْ

حَمَلَتْكَ أكتافُ الرياحِ

وأشْرِعةُ الخيالْ

 

أرغى وأزْبَدَ في الفلاةِ مُزَمْجِراً

ياأيُّها المسكونُ بالضوءِ المُعتّقِ

والحقيقةِ والمِثالْ

 

كَحَفيدِ عُرْوَةَ في الفلاةِ مُغامِراً

وَمُعلِّماً أحفادَ قُطّاعِ الطريقِ

طريقةً و مُروءةً

أَفَهلْ سَليلُ (الوَرْدِ) أنكر عِطْرَهُ

وَمتى تقاعدَ وإسْتقالْ

 

دعْ عنكَ قافلتي

وذَرْني في ضَلالي سارِياً

يصبو لِأجْمَلِ (كَرْنَڤالْ)

 

بِجِوارِ شاطيء ِ لُؤْلُؤٍ

عَطَشاً لِعوْلَمةِ التنازُلِ لا النِزالْ

 

فَسَألْتُ،عن هَدَفِ المَسيرِ، دليلَهمْ

فأجابني و بِلَكْنةٍ هِنْديّةٍ :

(إِرَمَ) الخنا ذاتَ الخَرابْ

حيثُ الّلظى

والناطحاتُ غُبارَها ودُخانَها

مِلْنَ على بُرْجِ (الخليفةِ)

شاكياتٍ باكياتْ

عُرْيَ الجُذورِ و موْتِها المحْتومِ

من عَطَشِ الرِمالْ

 

إِذْ مِهْرجاناتُ القبيلةِ أو

سِباقاتُ العَمالةِ والْهُجنْ

مِنْ ثَمَّ تقبيلِ الخُشومِ مَعَ اللِحى

شَرَفٌ كَتدْريبِ الجوارحِ

والصقورِ الجارحةْ

دهراً على صيدِ الحبارى

ثُمّ صيْدِ الغيدِ في سوحِ النضالْ

 

وَمَضى يغنّي للأميراتِ (الجَواري) لحْنَهُ

مُتَبخْتِراً ما بينَ أوْدِيةِ الجزيرةِ قاصداً

مُدُنَ المُلوحةِ والفنادقَ كي يرى

حُلُماً هجيناً شائِهاً

لا بَلْ مُحالْ

 

حتى إذا طَلَعَ النهارْ

ومضى فُؤادي سائلًا

جَمْرَ الغضا عن ظُلّةٍ

قاسى كثيبُ الرمْلِ من عَبَثِ السُؤالْ

 

فهجيرةُ الصحراء قد لَفَحتْ دمي

بِلَهيبِها

والشمسُ أقربُ للنواصي والزَوالْ

 

لا ظِلَّ في قلبِ الفيافي: قَالَ لي

فإرفقْ بِنَفْسِكَ وإفْتَرِشْ

وَجَعَ الحنينِ الى الظِلالْ

 

لا لَسْتَ عَنِتَرةَ البوادي كي تَرى

لَمَعانَ ثغْرِ (عُبيْلةٍ) في هوْدَجٍ

كَبَريقِ سيْفٍ هارِبٍ من غِمْدهِ

مُتَوضِّئاً بالنارِ في بَرْقِ النِصالْ

 

إِذْ لا فَوارِسَ تُرْتجى

في هذه البيداءِ يوْماً بعدما

نَسِيتْ أعاريبُ القبيلةِ أصْلها

والشيْخُ فَرْطَ حَفاوَةٍ

في حضْرةِ (الحاخامِ)

قد خَلَعَ العِقالْ

 

(وَقُريْظةٌ) حَفِظتْ عُهودَ كتابِها

وَوعودَهُ

وَكَبيرُها الموْتورُ أقْسمَ صادقاً

حتى يرى(عُقُلَ) الشيوخِ

الموسرينَ بأرضِنا

قيستْ على أقدامِ مِلّتِهِ نِعالْ

 

يمّمْتُ وجهي أقتفي

أثَرَ الحقيقةِ والهزيمةِ

بعدما طال الجِدالْ

 

فَعَبرْتُ درْبَ الخيمةِ الصغرى

صُعوداً خلْفَ ضَبْيٍ شارِدٍ

بِإمارَةٍ أقصى الشِمالْ

 

وَذُهِلْتُ إِذْ لم ألتقطْ بِسماءِها

أثَراً وطيفاً للهلالْ

فَبَكيتُ حُزْناً يا بِلالْ

 

حتى تعبْتُ ولمْ أجدْ

في (العيْنِ) ضبْياً

أو مهاةً أو غزالْ

 

فَذَكرْتُ أيّامَ التغنّجِ والصبابةِ والدَلالْ

والجِسْرَ ما بينَ الرصافةِ،عائمًا،والكرْخِ

ناداني. تعاااااالْ

فبكيتُ شوقاً يا دلالْ

 

وَبُعيْدَ شقْشقةِ الشُروقِ وجدْتني

في الرُكْنِ من مقهى المدينةِ أحتسي

ما قد يُسمّى قهوةً عربيّةً

والبُنُّ يغلي نادِباً

كَرَمَ الفناجينِ العتيقةِ والدِلالْ

 

وإكتظّتِ المقهى ضحىً

بالوافداتِ مِنَ النساءِ وغُرْبتي

والوافدينَ مِنَ الرِجالْ

 

هَجُنَ الكلامُ وصارَ بَلْبَلةً فلا

معنىً لِما قد قيلَ أو ما قد يُقالْ

 

الكُلُّ يلْحنُ يافؤادي بينما

أُذُني تنوحُ على البلاغةِ

والفصاحةِ والأصالةِ والجمالْ

وَبَكيتُ حُزْناً يابلال

 

فَسألْتُ في المقهى النوادِلَ والقِيانْ

هل للمُواطِنُ غيبةٌ ؟

قالوا نعم بل غيبتان

في يَخْتِهِ الصيفيِّ

يمضي هارباً من صيفِنا وسُيوفُهُ

تغزو سواحلَ أرْخبيلٍ لا يُطالْ

 

لم يجتهدْ سعياً وراء اللقمةِ الحرّى

أو الخبزِ الحلالْ

 

بل دلَّ فيلاً للغزاةِ الى الحِمى

وَبَغى على اليَمَنِ (السعيدِ) تَيَمُّناً

بِأبي رِغالْ

وَبَكيتُ حُزناً يا بِلالْ

 

شيخَ الأباعِرِ والدراهمِ والحِمى

لا تأمَننَّ الدهْرَ فالحربُ سِجالْ

 

يا مُحْرِقاً كُلَّ البيادرِ حولنا

كي يبتني (إِرَمَ) الهوى

في رُبْعِهِ الخالي

لقد بَعُدَ المنالْ

 

(مَنْهاتِنَ) الشرقِ المُزوَّرةِ الرُؤى

ياواحةً للشوكِ أو شَجَرِ القَتادْ

لن تدخلي بالزيفِ فردوسَ الكمالْ

***

مصطفى علي

 

 

 

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم