صحيفة المثقف

"الدعاية" أداة سياسية تحدد مصير الإنسان

علجية عيش"يمضي الرجال ويبقى الأثر"، عبارة اعتدنا قراءتها أو سماعها في الخطب عندما تفقد الساحة الوطنية شخصية تاريخية أو سياسية أو مفكر، وهذه العبارة لها دلالة كبيرة في نفوس السامعين لأنها تعبر عن الخسارة التي قد تلحق بمجتمع ما بمجرد وفاة تلك الشخصية ، وتقصد هنا الخسارة المعنوية لا المادية، إذا كان المتوفي صاحب فكر ومواقف، وكان يتمتع بشخصية كاريزماتية، ويملك وعيًا في إدارة شؤون العامة لا يمكن الإستغناء عنه أو تعويضه وكثير من الأنظمة في العالم التي فقدت زعيم من زعمائها، لا تزال تتذكر مناقبهم وما قدموه للبشرية من أعمال خلدت أسماءهم وظلت الأجيال ترددها، ولكل زعيم استراتيجيته في النظر إلى القضايا وسيطرته على الأوضاع دون سقوط أخلاقي.

لا زلنا إلى اليوم نتذكر رجل السلام غاندي، والثائر تشيغيفارا، وزعماء آخرين صنعوا الحدث السياسي والتاريخي في كل بقاع العالم، جون كنيدي، جمال عبد الناصر زعيم الناصرية، أنور السادات، الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين، معمر القذافي، محمد الخامس والحسن الثاني، الحبيب بورقيبة، هواري بومدين، أحمد بن بلة، محمد بوضياف، عباسي مدني، عبد القادر حشاني، حتى من النساء (أنديرا غاندي، بنظير بوتو)، وأسماء أخرى لا يسع ذكرها هنا ، معظم هذه الأسماء اغتيلت بمختلف الوسائل بسبب مواقفها، وأخرى أُعْدِمَتْ بسبب مواقفها أيضا، لكن ظل أثرها يذكر من جيل إلى جيل وتداولته الأقلام بالشرح والتحليل تارة وبين النقد والتأويل تارة أخرى.

منذ شهر تقريبا غادر الساحة الوطنية مجاهد يمثل أحد زعماء المعارضة في الجزائر وهو المجاهد لخضر بورقعة، ومنذ يومين فقط غادر المجاهد السعيد بوحجة المحسوب على الحزب الموالي للسلطة (حزب جبهة التحرير الوطني) وكلا الرجلين يختلفان في الرؤية والإستراتيجية، ليس الحديث هنا عن مفهوم الموت طبيعيا كان أو عن طريق الإغتيال أو القتل، وليس الحديث هنا عن مفهوم احترام الكائن الحي البشري عند إعدامه وسلبه حريته، أو البحث عن الإطار الأخلاقي والعقلاني الذي دفع بصانعي القرار التخلص من خصومهم أو تسليط عليهم العقاب، المسألة هنا مناقشة مفهوم أوسع من الصيغ الجاهزة للسلوك والتفكير البشري، فالذين يرحلون عادة ما يتركون أثرا ، لكن هذا الأثر قد يكون إيجابيا أو سلبيا، قد نقبله أو نرفضه، قد نتأثر به فنقتدي به فنجعله نبراسا في حياتنا، وقد نكفر به فنلعنه، هذا طبعا متوقف على شخصية القائد أو الزعيم وما قدمه من أعمال خيِّرَة أو أعمال شرّيرة؟، يظل بعضهم أحياء في القلوب، في حين يصبح بعضهم نسيا منسيا.

ليس بوسع أيّ كان الحُكْمُ على أولئك أو هؤلاء، لأنه لو نظرنا إلى الأمور من زاوية أخرى نجد أنه كثيرا ما يكون لـ: "الدعاية" دور في تبييض وجوه وتسويد وجوه ، باعتبارها أداة ووسيلة سياسية، ولا يمكن كما يقال تصوّر الوسيلة مستقلة عن الغاية، فالتخطيط السياسي هو الأساس والغاية، وإذا أراد النظام التخلص من زعيم أو قائد أو مسؤول يراه خطر عليه فهو يرسم طريقة للتخلص منه عن طريق الإغتيال، بهدف إقامة نظام جديد ، حيث يصور الخصم للرأي العام بأنه مصدر الخطر الذي يهدد أمنه وراحته، وأنه لا يعكس إلى الخراب والدمار ، فيلصق به مثلا تهمة الإرهابي، هي الحرب التي عرفتها البشرية منذ ظهورها، وعاشتها كل الديانات، حتى في الإسلام (مقتل الحسين) تركت أثرها جيلا بعد جيل ولا تزال الأجيال تترقب آثارها إلى اليوم تارة بالقبول والرضى وتارة بالرفض واللعنة.

 

علجية عيش

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم