صحيفة المثقف

كنّا وإخوتنا القرود

عبد الفتاح المطلبيكنا وإخوتنا القرود

نعيشُ في كهفٍ وغابةْ

خوفٌ يلمُّ بنا وتُخرسُنا الغرابةْ

الفرق في ما بيننا

أن القرود

تنصلتْ عن كلّ عشقٍ

لم تعد تهوى

فلا نأيٌ ولا شوقٌ

سوى ولع التعلقِ بالذيول

على السحابةْ

ينتابها صخبٌ إذا علّمتها أن

الحياة فسيحةٌ

وأن ما في غاباتها

صَعِبٌ حسابَهْ

مذ كانت الأيامُ في ريعانها

كانت تحطمُ كلّ غصنٍ ْ

الناضجات من الثمار هربنَ للوادي السحيق

حتى إذا صارتْ سنين العمر تزحفْ

والمنايا فوقها  طارتْ

تعلّمَ بعضُها صنع الحبالِ

وما بفكرتها سوى موز الرتابةْ

الفرقُ، أين الفرق، صرتُ أشكُّ أني أدّعيه

أنا من تخيّلتُ الأمورَ  كما أريد

ونضوتُ أحلامي

كما تنضو شجيرات الخريف ثيابها

وذبحتُ كل الأمنيات

من الوريد إلى الوريد

لكي أقول لأخوتي

من كلّ قردٍ قد تعلّقَ في الهواءِ

لكي يفوز بما يريد

لا تخافوا إخوتي

فالموزُ موفورٌ إذا  لمْ يهتكوا في الليلِ أستارَ السيادة

فكلنا أولادُ غابة

وأشرتُ في عتبٍ إلى ما يصنعون

من الكآبة

وودتُ لو أني أعلمهم ولكن

لم يكن في جعبتي

إلا دروساً مُستعادة

من كثرِما قيلتْ

أحسّ الناسُ منها بالبلادة

فصنعتُ من خوفي ربابةْ

وعزفتُ لحنَ النومِ في حفل الضياء

ولحن  يقظةِ أنجمي ظهراً

وأيام التنائي في عصور الودّ

والحرب التي لم تبقِ شيئا

من تفاصيل الصبابة

وطفقتُ أشرح للذبابةِ

أن ما في الوردِ أجدى للهَوامِ

إذا تعلمت الخطابَةْ

والحرفُ أجدى للفراشةِ

لو تعلّمتِ الكتابةْ

ذاكَ أن رفيفَها حلوٌّ

ويزخرُ بالمهابة

وإن ما في الغابةِ الخضراء

أجدى للقرود  من الصحارى

وشرحتُ أيضاً أنهم في هذه الدنيا

عباد الله لا فضلٌ ولاسبقٌ  لهم  في الخلقِ إلاّ أنهم

أهلُ السعادة

آهٍ إذا علموا بأن الكون أفرغَ  من قداسته ِ،

وصارالجرذ والفئران ُ رهباناً وسادةْ

ثم صارالأمرُ عند الناس

عيداً ، كلما جفّتْ مآقيهم بكوا

والدمعُ عادةْ

كنا وإخوتنا القرود

نعيش في كهفٍ وغابَةْ

نلبسُ  الأيّام جلبابا

ونوكلُ أمرنا للريح

تحصدنا وتطحننا و تعجننا وتخبزنا

وصار أتونها  جنّاتِ عدنٍ

ثم صار الأمر موكولٌ إلى البلوى

وفنُّ العهرِّ من شأن القيادة

حتى إذا ضعنا وضاع الخبز

آوينا إلى كهفٍ ونمنا

ثم صار الحلمُ موزا

حرّموا الإيقاظَ من أجل الحصول عليه

وهم يرون الفوز باللذّاتِ حتى في سبيل الموز

عنوانَ الريادةْ

وَفَرَقتُ حين ألَمَّ في قلبي غرام

ووضعتُ فوق الكفِّ صحناً من جنون

وجِلتُ  في الآفاقِ

أستجدي المثابة

وأقولُ للجنديّ

أنت أخي

ففيم تود قتلي؟

ألكي تكون صبي دكتاتور؟

أو نجلاً لعاهرةٍ أحيلتْ للقوادة

أو كائنٍ رمليّ يزحفُ

لا يُفرّق في صحارى العربِ

بين كثيب رملٍ أوتلال

بين ضبٍّ  أو غزال

بين ضيفٍ أو عيال

دبيبُهُ للموتِ قادَهْ

وطباع هذا الواد يستعدي ذئابَة

حتى إذا طافت  بحي ٍ من بقايانا

تسابقتِ الذئابُ  فكل ذئبٍ سنّ نابَهْ

وكان يوماً قد ثغا فيه القطيع

فازرقّت الدنيا وفي ألآفاقِ كان ضباب أسئلةٍ

وليسَ هناك في الدنيا إجابَةْ

أحضرتُ أسلحتي

بكائي والهموم

وشبهَ منديلٍ لكَفكَفةِ الدموع

و رحت ُأبكي بالنيابة.

***

عبد الفتاح المطلي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم