صحيفة المثقف

اللغة العربية: لغة العرب ام لغة قريش

يعتقد علماء الانثربولوجيا أن اللغات القديمة كانت متشابه إلى حد إمكانيتة التفاهم بها، فالاسرائيليون الذين عاشوا في التيه اربعين عاماً، تفاهموا مع جيرانهم الى حدما، وزيارة الملكة بلقيس الى النبي سليمان بن داود (ع)، والمكاتبات بينهما تمت دون ترجمة . ومثل هذا، يمكن ان يقال عن رحلات ابراهيم الخليل (ع) المتعددة إلى عدد من البلاد كالشام والعراق ومصر ومكة، مما يؤكد أن إمكانية التفاهم في العالم القديم لم تكن مستحيلة . فضلاً عن رحلات العرب التجارية الى جيرانهم، وإلى الهجرة الاولى لبعض المسلمين االى الحبشة، فاللغات كلها ترجع الى اصل واحد.

فاللغات العربية (كالأم التي أنجبت كثيراً من الأبناء، ثّم توزعوا في الارض، وأختلفت لهجاتهم تباعاً . والرأي السائد أنه كانت هناك جاهلية أولى وجاهلية ثانية، فالاولى تبدأ بابتداء البشرية حتى القرن الخامس الميلادي،والثاني تمتد من القرن الخامس الميلادي الى ظهور الاسلام، وهي المدة التي اوصلت لنا الشعر القديم، والتي يصل بها الجاحظ الى مائة وخمسون عاماً، او مائتين عام قبل الاسلام .وأن كان الذي وصل لنا قليل، عبر عنه ابو عمرو بن  العلاء بقوله (ما أنتهى اليكم مما قالته العرب إلا أقله، ولو جاءكم  وافراً لجاءكم عِلم وشعر كثِير) .

وقد تعرض القرآن الكريم لهم في المدتين الاولى والثانية، فالعرب لم يكونوا في عزلة عمن حولهم سياسياً واقتصادياً بالقياس الى الأمم الأخرى، مما يترتب عليه التفاهم بنقاط الاتصال التي كانت بين اللغات القديمة، وفيما بينهم بلغة رئيسة وهي لغة قريش) 

وعدد من اللهجات . وإذا كانت العربية تعرف  بلغة قريش، فذلك يرجع الى مكانة القبيلة بين العرب، ولمكانة الرسول (ص) منها، لكن يمكن القول بأنها لم تدوَن تدويناً واضحاً إلاَّ بعد مجيء الإسلام، فقد حضَّ الرسول (ص) على القراءة والكتابة بالعديد من الاحاديث، بمختلف الأساليب. وكان أن أتسعت دائرة (كتاب الوحي) إلى دائرة تعرف باسم (القّراء)، وفداء الأسير في  مقابل تعليمه  لعشرة من الصبيان، فضلاً عن كُتّاب الرسائل والمعاهدات، ولعل المراد بـ (قريشية اللغة)، ليس ألغاءً لدور القبائل العربية الاخرى، فالمصطلح  إسلامي عاطفي _  كما ذهب ابن فارس في كتابه  (الصاحبي في فقه اللغة) فقال:- كانت قريش مع فصاحتها، وحسن لغتها، ورقة ألسنتها، إذا أتتهم الوفود من العرب تخيروا من كلامهم  وأ شعارهم أحسن لغاتهم، وأصفى كلامهم، فاجتمع مما تخيروا من تلك اللغات الى سلائقهم التي طبعوا عليها، فصاروا بذلك . أفصح العرب، ألا ترى انك لا تجد في كلامهم عنة تميم، لا عجرفية  قيس، ولا كشكشة أسد، ولا كسكسة ربيعة، ولا الكسر الذي تسمعه من أسد وقيس، مثل: تعلمون بكسر التاء (ثم إن عملية التنقية والاختيار من لغات العرب، لم تكن فقط في موسم الحج، وفي اسواق العرب ؛التي كان العرب يتوافدون عليها للتسوق ولسماع الشعر والنثر، والحكم عليهما، فما تزال هذه  الاسواق باللغة نحلاً واصطفاءً، حتى يتبقى الأنسب الأرقش، ويطرح المجوف الثقيل، ومن المعروف، أن قريشاً مع علو شأنها في الفصاحة، إلاّ أنها لم يكن لها دور كبير في (الابداع)، فالنصوص الأدبية الرفيعة لغير قريش وقد علّل (ابن سلام) هذا بأنه لم يكن بينهم ثائرة ولم يحاربوا، كان هذا في الوقت الذي تعالت فيه أصوات المبدعين في اكثر من مكان، وبخاصة في إماراتي: المناذرة والغساسنة، بل أن النحاة جعلوا للفصاحة حدوداً وأقواماً، ولم يقصروا الامر على قريش، فالتركيز كان على قيس، وتميم وأسد، وطي ثم هذيل) . فهؤلاء معظم من نقل عنه لسان العرب، أما عن سر فصاحة الرسول (ص) وبلاغته، فقد أ رجعها العلماء إلى أنه ولد فيبني هاشم، ونشأ في قريش، واسترضع في بني سعد، وتزوج من بني أسد، وهاجر الى بني عمرو، وهم الأوس والخزرج، وقد حدد ابو حاتم السجستاني القبائل التي نزل القرآن بلغتها، وهي: (قريش، وتميم الرباب، والأزد، وربيعة، وهو ازن، وسعد بن بكر) . وقد رُويّ عن الامام علي بن ابي طالب (ع) أنه قال: نزل القرآن بلسان قريش وليس باصحاب نبر، ولولا أن جبريل نزل بالهمز على النبي ما أهمزنا) لكن ابن عربي (يفرق بين القرآن المنزل على الالسنة والقرآن على الأفئدة)، فيقول: (إن الذي ينزل القرآن على قبله ينزل بالفهم فيعرف ما يقرأ، وإن كان بغير لسانه، يعرف معاني ما يقرأ، وإن كانت تلك الالفاظ لا يعرف معانيها في غير القرآن، لأنها ليست بلغته، ويعرفها في تلاوته إذا كان ممن ينزل القرآن على قلبه عند التلاوة).

 

أ.م. ليلى مناتي محمود

جامعة بغداد / كلية اللغات

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم