صحيفة المثقف

طقس العطش

عبد الفتاح المطلبيضَمِئتُ على جُرُفِ النهرِ

منذُ التقينا

وظلّي وظلُكِ في المنحدر

فما كان لي غير صبرٍجميل

أحرّضُهُ فِيَّ كيْ أنتظرْ

ولكنني لم أعد واثقاً

بجدواهُ هل كانَ ذاكَ القدَرْ

على موعدٍ كنتُ والإرتواء

قد نلتقي باقتفاءِ الأثرْ

، ما تزالُ المواويلُ تعزفُ لحنَ الهُيامِ

كيفما نطأ الرمل

نترك فوق الأديم الحذرْ

ومن فوقِنا

كانت الريحُ  معلولةً تُحتَضَرْ

تصايحَ من فوقنا نورس الروح

يا أنتُمُ يا بشرْ

حديثُ المسافاتِ

يربأُ أن يُختَصَرْ

و نُدركُ أنَّ الحديثَ من السَمتِ ليس لنا

وأن الذي فوق

بعضُ حديث المطرْ

كيف بل أين ، أنّى لنا أن نُسَر

و أفواهُنا لم تذُقْ قطرةً

وماء البحار أجاجٌ

لا يبلُّ اللّسان

والملح لا يُعتَصَرْ

إذا أقبل المدُّ يوماً ويوماً جزَرْ

ضِماءٌ إذن نحنُ

والأمرُ لا يُغتَفَرْ،

 أيها الطيرُ

خذ رفيفكَ وامضِ

ودعني هنا كالحجَر،

أيها الطير لم تعد الروح صالحةً للسفرْ،

وإني وإن كنت أحسدُ كلَّ الطيورِ

على خفقاتِ الجناحْ

ومعرفة النوء والمعجزات الأُخَرْ،

غير أني علمتُ بأن الفضاءَ انحسرْ،

وأن المدارَ الذي دارَ فيهِ الفؤادُ انكسَرْ

وأن  الذهابَ إلى آخر الشوطِ  فرضٌ

وأن لا محيصَ ولا من مفرْ

وكيفَ لنا أن نفرَّ

وقد أحرق الخوفُ أحلامَنا والجناحْ

وصار العصيُّ على البوحِ

فينا مباحْ

وعششّ فينا الخَطَرْ

لذلك أسألك الآن

قبل فوات الأوان

أتعرفُ ما النارُ؟

ما الجمرُ؟

يا نورساً  لو أطاحَ بهِ العشقُ في حيِّنا

لم يطِرْ

لصارَ من الوجدِ

من بعدِ عينٍ أثرْ

هل تضورتَ جوعاً

هلْ عرفتَ العطَشْ؟

ستعرفُ

حين يكون المدى

خطوتين

ستعرف حين ترى اليأسَ

رؤيةَ عينْ

وحين يلفُ الحياةَ الغبَش

وتنتظرُ الموتَ في كل حين

وقد صُكَّ قلبُكَ ما بين ضلعين

وحل به البرد

ثمّ ارتعَشْ

ستعرفُ حين ترى النار في خافقي تلتهبْ

والأماني حرائقَ

فخُذْ بعضها

قبيلَ انطفاءاتها

فليس بها إذا ما خبتْ من قبَسْ

وعرّجْ على  النهرِ

واسأل  حصاهُ

أليسَ من الماء جئنا جميعاً

فكيف تسلل من بيننا في الغلَسْ

كيفَ ارتحلْ

أمَا رأفَ الماء بالدغلِ

بالسابحات الصغار

بالقُبّراتِ  إذا غالَها صقرهُ

وانتهَشْ

تدرّبْ على الصمتِ

يومَ الجَوى

فكلّ الكلامِ  التوى والتبَسْ

وخذْ ْمن فؤادي إذا نفخَ الليلُ في  جمرهِ  قبضةً

واصطلِ

ترى في هسيس العروق،لساناً من النارِ

عينَ سرابٍ

على جفنها الجندُ تحرسُها والعسَسْ

تراهم يجوبون روحي

وقد أقفرتْ

لا حبيبٌ يتيّمُها

مثلما كان بالأمس

أنساً بأنحائِنا فاندرَسْ

ليسَ فيها سوى ذكرياتٍ عفَتْ

وو ميضاً لأمنيةٍ قد خبا

والتباريحُ مثل السكاكين في اللحمِ

يغرسها من غرَسْ

ونحيبٌ المسافاتِ ما بيننا كالكلاب

تنبَحُنا حينما نقترب

ننصتُ للريح ، تقرعُ كأس النوى

فيضج المدى  بصراخٍ أجشْ

عطشْ... عطَشْ

وإني على موعدٍ كنتُ والماء

لكنني صادياً لمْ أزل

ووعدُكَ يا ماء قبضةَ ريحٍ

فهل تقبض الكفُّ يوما من الريح

بعضَ الأملْ

إذنْ أيها النورسُ الغِرّ قلبي

تُرى ما العمل؟.

***

عبد الفتاح المطلبي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم