صحيفة المثقف

أشباحُ البرْزخ

مصطفى عليالهوّةِ الشاسعة بين الواقعِ والمِثالْ


ناديْتُ مهلاً يادليلي

لا تَضِقْ ذَرْعاً إذا ما

أبحرَ القيّافُ شوطًا في لهيبِ الأسْئلةْ

 

فَأَنا إِبْنُ جيلٍ ضاعَ حاضرهُ

ولكنْ لم يُضيّعْ يادليلي أوّلَهْ

 

مازالَ يَنْحَتُ من شقائقِ روحِهِ

أُمْثولةً

لِيَصوغَ للجيلِ المُعفّرِ بالأسى

مُسْتقْبَلهْ

ماإنفكَّ يغزلُ للبراعمِ بُرْدةً قَزَحيّةً

فيها خيوطُ الشمسِ تعشقُ

والمياسمُ مِغْزَلهْ

 

قدْ جِئْتُكمْ مُتسائلاً

عن جَذوةِ السِرِّ المُقدّسِ

في النماذجِ كُلِّها بِتُراثِنا والأمْثلةْ

 

فالرمزُ برقٌ في بصيرةِ حالِمٍ

لو لَمْ يَشُعَّ بريقُهُ في روحِهِ

لَتَخيّلهْ

 

والرمزُ نجمٌ ساطعٌ بِسمائنا لاينطفي

لكنّما المأسورُ في (الخضراء)

زيفًا أوّلَهْ

 

فَلَقدْ رأى دينَ الإلهِ غنيمةً

نطقتْ بها آياتُهُ فَتَوسّلهْ

 

لا تعجبوا

فَعُقولُ أشباحِ البرازِخِ في الديارِ

عَقيمةٌ

وقلوبهم رغْمَ الدُعاءِ مُعَطّلةْ

 

(فإذا عَرفْتَ الحَقَّ تعرفُ أهلَهُ

لا حَقَّ يُعْرَفُ بالرجالِ).. فَمَنْ يَعي

أبهى كلام العارفينَ وأجْمَلَهْ ؟

 

هِيَ حِكْمَةٌ فيها البلاغةُ والحقيقةُ

توْأمٌ

وَكأنّها من فيضِ قلبٍ إِذْ تواجَدَ

مُرْسَلةْ

 

سَهْلٌ ومُمْتَنِعٌ كلامُكَ سَيّدي

ماأصْعبَ الكَلِمَ الصدوقَ وأسْهَلَهْ

 

عُذراً إمامَ العارفينَ فلمْ أجِدْ

مَنْ سارَ في هذا الزمانِ على الطريقِ وأكْمَلهْ

 

لو كانَ لامسَ قلْبَهُ وفُؤادَهُ

قولُ الإمامِ هُنيْهةً وَ تَمَثّلهً

 

ماكانَ أنْبتَ سيْفَهُ بِجَبينهِ

أو كانَ أعْملَ بالوديعةِ مِعْولَهْ

 

بل كانَ قد نَهَلَ الطريقةَ من يَدٍ

ملأتْ لَهُ قَبْلَ الطريقِِ الى الحقيقةِ مَنْهَلهْ

 

قدْ جِئْتُ من أقصى المعاني

والرُؤى مُتسائلاً:

 

مَنْ حرّفَ المعنى العظيمَ لِضِدِّهِ

وَتَقوّلَهْ ؟

 

فَأجابَ داعيةٌ شقيٌّ

كان يهذي بين جمعٍ من حُداةِ

القافلةْ

 

وحدي هُنا الأنقى دَماً

وَسُلالتي ممْهورةٌ مِنْ رَبِّها

وَأنا سَليلُ العارفينَ فَهَلِّلوا

ياأيُّها الرُكبانُ قَبْلَ السابِلةْ

 

لا فَرْضَ بَعْدَ اليومِ إلّا طاعتي

فَأنا الفريضةُ غايةً والنافِلةْ

 

لمّا تمادى الوهْمُ في أوداجِهِ

وَلَظى التوهّمِ للغوايةِ أوْصَلَهْ

 

هَتَفَ المُفدّى حينَ راودَ بَعْدَ

سُكْرٍ مأْمَلَهْ:

 

كُلُّ المُقدّسِ حِصّتي و غنيمتي

ولكَ المُدنّسُ كلُّهُ

ثُمّ إفْترقْنا في الهوى والمَنْزِلةْ

 

فَلَقدْ تحاصصْنا قراطيسَ التراثِ

بما حَوَتْ

قِصصَ الصحابةِ والقرابةِ والسَلَفْ

وَ على كَواهِلِهمْ رَميْنا

وِزْرَ أنْفُسِنا هَوىً ما أثْقَلَهْ

 

هَوَساً بِتقطيعِ الوِصالِ وَ حَشْرِنا

بِمَعاطفِ الأسلافِ دُونَ جَريرَةٍ

لِيَصيرَ تاريخِ الأوائلِ في حياةِ

ألناسِ أدهى مُعْضِلةْ

 

وَيَصيحُ مهووسًا كَمَنْ لا عقلَ لَهْ

 

لي مقعدٌ بِسَفينةِ الناجينَ

مِنْ طوفانِها

مهما نأى قلبي عَنِ الرُبّانِ

وإرْتَبَكتْ بروحي البوصلةْ

 

رجّتْ زلازِلُها مع الهيجاءِ أفئدةَ الورى

ونجوْتُ بالسِرِّ المُقدّسِ مِنْ

جحيمِ الزلْزلةْ

 

لا عِلْمَ لي لكنّ لي بركاتُ شيخي

رُقْيَةٌ مِنْ غفلتي والمَجْهَلةْ

 

وأجازني أشياخُنا مُتَحَدِّثاً

بإسمِ القِلادَةِ جوهراً

والسُلْسُلةْ

 

مُتَعلّقاً بِحقوقِ مَنْ غابوا

وَمَنْ رَحَلوا ولكنْ

بعدما قد خلّفوني شاهداً للمرْحلةْ

 

فَأنا المفوّضُ بالكلام عن الرموزِ

وذي يدي

حَمَلتْ مفاتيحَ الرموز لِفَكِّها

 

بِمهارةِ الكُهّانِ دُونَ البسْملةْ

 

لا لسْتُ معنيّاً بحاضركمْ ولا

يوْماً أرى غيرَ السقيفةِ

في طريقي نحْوَ رَبّي مُشْكلةْ

 

كانتْ مغامرةً بها الميْلٌ إبتدا

وَلَقد أتيتُ اليوْمَ محمومَ الخُطى

مُتوعّداً أن أعْدِلهْ

 

لكنني أدركتُ بعد نوالِها

وبلوغ نشوةَ كأسِها

أنّ الهوى في النفسِ موقوتٌ

كقادِحِ قُنبلةْ

 

فَتَملْملتْ في النفسِ شهوةُ مارِدٍ

قد هَدَّ قُمْقمَهُ المنيعَ مُخلّفاً

طوفانُ سيْلٍ غامرٍ لا حَدّ لهْ

 

وَنَسيتُ مَنْ حَمَلَ النزاهةَ رايةً

وطريقةً

وَخَذلتهُ

ماكُنْتُ أوّلَ مارِقٍ

شاءَ الهوى في قلبهِ أن يخذِلهْ

 

لا أقتدي بمناهجِ الأخيارِ زهداً

أو تُقىً

وَلِمَنْ يتوقُ لِعدْلِهم مُتشوّقاً او

حالماً

أعددتُ آلافَ الكواتمِ خِلْسةً

وَنَصبْتُ فَوْقَ الجسْرِ

حبلَ المقصلةْ

 

هذا زمانُ حصادِنا

قِصصَ الأوائلِ كي تفيضَ بيادِراً

في حقلِ شيخٍ موسِرٍ

سَرَقَ الرحى والسُنبُلةْ

 

بمواسمٍ فلّاحُها قد كادَ فَرْطَ

الجوعِ يأكُلُ مِنْجَلهْ

 

أجراسُ معمعةِ الغنائمِ

شنّفتْ آذاننا

ثَمِلاً ترنّحَ خافقي بِرَنينِها

والصلْصلةً

 

فَدَعِ التغنّي بالنزاهةِ يافتى فبلابلي قد غادرتْ أعشاشها

وتبادلَ الفقراءُ في أبراجِها

أنخابَ سِحْرٍ

من نبيذِ البلْبلةْ

 

أسفي على الفقراءِ كيف تفرّقوا

فِرَقاً فهانوا

تحْتَ راياتِ الذين تقاسموا

الأدوارَ لهواً في فصولِ المهزلةْ

 

لا نجمَ يهدي في متاهاتِ السُرى

تاهَ الحجيجُ و خانَهُ حَدْسُ

الدليلِ

فَفَرَّ قلبي هامساً بالحوقلةْ

 

فإذا الطُفوفُ تَذَكّرتْ

كَبِدَ الرضيعِ فَقُلْ لها

في الساحةِ الخضراءِ

يمْرحُ حَرْمَلةْ

 

والشِمْرُ شمّرَ للفسادِ ثيابَهُ

يرنو الى كَبِدِ الفقيرِ لِيأكُلهْ

 

إِذْ لا رياحيٌّ وحُرٌّ بينَنا فيصدّهُ

عن بيْتِ مال ألناسِ

والفقراءِ شَرْوى أنْمُلةْ

***

مصطفى علي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم