صحيفة المثقف

وداعا للرقابة ..

لا بد إن المثقف يشعرُ بالسرور لكل بادرة ثقافية، تأتي من خارج المؤسسات الرسمية ولا نقول السلطوية، لأننا نعيش في عصر ما بعد الدكتاتوريات في العراق أو «العراق الجديد»، لذلك فان جميع النشطات الثقافية المستقلة، تستحق الدعم المالي والمعنوي،

لأنها تصدر عن جهودٍ شخصية من أديب أو مثقف أو ناشر، ويكتب فيها نخبة مميزة من الكّاب والادباء العراقيين والعرب، أو تأخذ على عاتقها نشر الكتب والاصدارات الجديدة غير المنشورة، بدون قيود وشروط، سوى المستوى الرفيع والمفيد للمواد المنشورة،ولا فيتو على المحتوى وما شابه، والتي دائماً ما يُسبب الاحباط للادباء والكتّاب، سواء في العراق أو الوطن العربي .

هناك عشرات المؤلفات التي تنتظر النشر أو مئات المؤلفات والابداعات، بشتى مجالات الكتابة الابداعية والفنون، بسبب الشروط والفيتو والمنع وسواها من الاساليب التي مضى عليها الزمن، فمن من الادباء والكتّاب في العراق لا يتذكر لجان الفحص والرقابة على المنشورات والمؤلفات في المجالات الثقافية والاكاديمية والفنية في العراق أو الاقطار العربية،بحيث باتت تشكّل عقدة مستعصية للمثقف ولمنتجيّ الثقافة في الوسط الادبي والاكاديمي،وهما المصدران التنويريان بأي مجتمع من المجتمعات المتقدمة أو النامية، فكانت تلك المؤسسات تشكلُ حاجزا صعب الاختراق بشروطها التعسفية والمنع والتشكيك والعراقيل الروتينية والإدارية المتخلفة، ازاء أي نهوض ثقافي واكاديمي اوابداعي، يتعلق بمسائل التنوير والانفتاح والتبادل الثقافي والفني بين ابناء الوطن الواحد وفي الوطن العربي أو العالم .

لكن كل هذه الحواجر والموانع تهاوت لعدّة أسباب، أبرزها اكتساح العالم الرقمي لوسائل النشر والنشر الفوري، وقلّة تكاليف تأسيس الجرائد والمجلات والمؤسسات الثقافية والفنية على الانترنيت، وأنتشارها ووصولها للقرّاء بشكلٍ واسع، لا يمكن مقارنته بوصول جريدة ورقية أو مجلة أو كتاب أو ماشابه، واصبح بامكان القاريء أن يجد كل ما يبحث عنه على الشبكة العنكبوتية «الانترنيت» بدقائق معدودة، بدلاً عن الانتظار لاسبوع أو شهر، ليصل أليه كتاب مطبوع أو مجلة أو جريدة أو أي نشاط  ثقافي وفني وتنويري، وبانتشار واسع من جميع بلدان العالم، كما لا يمكن مقارنته بالمطبوعات الورقية، لبطء وصولها وتخلفها الفني والتقني على السواء، مقارنة بالمنتجات الثقافية والفنية التي تعتمد الاخراج والاصدار الرقمي .إضافة الى إن العالم الرقمي، الغى غلواء الرقابة أو الرقابات على المنتج الادبي والثقافي بشتى انحاء العالم، وبالخصوص العالم الثالث أو النامي الذي تكثر فيه الرقابات حماية لانظمته ووحدانية قيادته، فاجبرها على الخروج من قوقعتها الذاتية الى عالم مفتوح.. كل شيء فيه معرض للنقد أو الرفض والقبول بدون وصاية من أي جهة كانت سلطوية أو رقابية وبدون شروط أو الزامات مخلة بحرية الابداع وفضائه،

كما إن العالم الرقمي اتاح ترجمة النصوص والمنتجات الثقافية بشكلٍ فوري بدون تدخل وسائط سلطوية أو رقابية من أي نوع، وفسح المجال للمنتجات البصرية الفنون التشكيلية، والنحت ومنتجات الصناعات الحرفية والشعبية، وسواها التي تحمل تاريخاً خاصاً يتميز فيه كل بلد عن الآخر، رغم القواسم المشتركة بينها كفنون شعبية أو منتجات بلدية خالصة، تعبّر عن هوية وتاريخ ومسيرة تطور البلدان في جميع المجالات الفنية والثقافية،

يمكن لنا اليوم التجول في معارض تشكيلية ونحتية أو حرفية وشعبية في أي بلد نختاره للتعرف على فنونه من خلال الشبكة العنكبوتية، بدون رقابة أو خوف أو بمعرض نحتي أو ماشابه أو لوحات تشكيلية منفردة أو منحوتات سواء كانت قديمة من عصور سابقة أو حديثة انتجها فنانون معاصرون، إضافة الى التصاميم الهندسية في البناء والعمارة المرتبطة بالفنون البصرية والمدنية بشكلٍ خاص دون عناء يذكر،

ويضاف الى ذلك ميزة التفاعل المباشر مع المنتج الاديب أو الكاتب أو الفنان او المبدع من خلال فورمات المراسلة المباشرة المرفقة مع المادة المنشورة، وهذا ما لا تتيحه المنتجات الورقية أو غير ممكن في المنتجات الورقية، وفورمات التفاعل الفوري هذه تلعب دوراً كبيراً بانتشار المنتج،خارج حدود بلد منتج النص أو المادة الابداعية والفنية، ولكننا لحد الآن لم ندرك أهمية العالم الرقمي والاستفادة الفائقة من الشبكة العنكبوتية في اختصار الزمن الى اقصى ما يمكن،

ومازال الورق يلعب دوراً مهماً في حياتنا العملية مع كل ما يرافقه من رقابة وعسف وتشويه للابداع وحجره واستغلاله سياسياً وسلطوياً، وفي النتيجة تفريغه من محتواه الابداعي والثقافي،

ومن المفيد دعم المؤسسات الثقافية المستقلة أو المبادرات الثقافية والفنية المستقلة على الشبكة العنكبوتية للتخفيف من غلواء الاحزاب والسياسية والسياسيين، ومنعها من التحكم بالمنتجات الادبية والثقافية سواء من خلال شروطها المتخلفة أو رقابتها المنافية لحرية الابداع الفني والادبي، وكذلك منعها من استغلال امكانياتها المالية للسيطرة على الفضاء المعلوماتي، وما يبثّ على الشبكة العنكبوتية،

المثقف والفنان والمبدع الحقيقي، يعلم بأنه لا يمكن له أن يعمل وينتج تحت الرقابة أو الخوف، ويلزمه فضاء ابداعي خال من الرقابة والمحاسبة على ما ينتجه في المجالات الثقافية والفنية، والعالم الرقمي من خلال الشبكة العنكبوتية كفيل بإيصال صوته وابداعه الى أي مكان يريد، ولأي بلد من البلدان، وبأي لغة من اللغات بالوسائل التي يتيحها العالم الرقمي في عصرنا، بدون عسف ورقابة ومحاسبة فجة أو سلطوية متخلفة، وقد يأتي ربّما يوم ما أقرب مما نظن لا نحتاج فيه الى الورق،سوى في استنساخ المواد والبحوث التي نود استنساخها، أو الاحتفاظ بها في مكتباتنا الخاصة . عندئذٍ يمكن لللمثقفين والمبدعين أن يقولوا : وداعاً للرقابة .

 لا سلطة تعلو على سلطة الابداع .

 

قيس العذاري

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم