صحيفة المثقف

فايروس الكورونا في العراق.. المشكلة والحل

عامر هشام الصفارمن المعروف أن فايروس الكوفيد19 والذي أنطلق من الصين في حالات شخصّت في نهاية عام 2019 وتم الأستدلال عليها في كانون الثاني 2020، قد أصبح اليوم فايروساً عالمياً ووباءاً فتاكا. فقد أنتشر في أكثر من 180 دولة في العالم وأدى الى 109 مليون أصابة لحد اليوم، وبعدد وفيات يزيد على المليونين ونصف المليون حالة وفاة. والأدهى من ذلك أنه ثبت اليوم بما لايقبل الشك أن فايروس الكوفيد 19 (المسبّب لوباء الكورونا) أنما هو فايروس مناور ومتحوّر، فقد ظهرت منه سلالات جديدة، وتغييرات وراثية عديدة. ففي مدينة كَنْت الأنكليزية شخّصت مختبرات بريطانيا سلالة جديدة من الكوفيد19 لها تركيبها الوراثي الذي يختلف عن الفايروس الأصل الذي نشأ في الصين. وكذلك فقد كشفت مختبرات العلوم عن طفرات وراثية شملت البروتين الشوكي (السبايك) على سطوح الفايروس، وهو البروتين الأصل الذي يسبب المضاعفات الألتهابية في جسم الأنسان، من خلال ألتصاقه بسطوح خلايا الجسم البشري. وعلى هذا الأساس تم تشخيص سلالات جنوب أفريقيا والبرازيل من فايروس الكوفيد19، أضافة الى السلالة البريطانية التي ذكرتها..ولا توجد مثل هذه الأمكانيات العلمية لمختبرات رسم الخارطة الوراثية للفايروسات في كل أنحاء العالم، أنما تتواجد فقط في دول متقدمة علمياً، فيتم التشخيص وتتخذ الأجراءات على هذا الأساس.

ثم أن السلالة البريطانية كما ذكرت المصادر العلمية موجودة اليوم في أكثر من 50 دولة في العالم، ومن المحتمل جداً أن تعّم العالم، فأذا بنا في هذا العام 2021 سنتعامل مع فايروس الكوفيد19 المتحّور الجديد المستجّد والذي يختلف عن صاحبه فايروس 2020. وهنا جاء دور العلماء في تطوير اللقاحات، وأيجاد لقاحات جديدة تستجيب لتحديات هذه الفايروسات.

ونبقى نراقب ما يحصل على أرض الوطن العزيز العراق.. فنرى اليوم أن عدد الأصابات بالكورونا في أزدياد حسب أحصائيات وزارة الصحة وخلية التعامل مع الكورونا. وفي نفس الوقت نرى أن تجمعات الناس والعشائر وأبناء الشعب قائمة، ولأسباب مختلفة، وكأن شيئا لم يكن، حتى أن الأحزاب السياسية قد دخلت في منافسة من نوع ما، في الدعوة لعقد تجمعات للناس في مثل هذا الظرف الوبائي الصعب. والجميع يعلم اليوم أن فايروس الكورونا أنما ينتقل بين شخص وآخر، وبين الناس كلما أقتربوا من بعضهم البعض، وكلما لم يلتزموا بأرتداء الكمامات، ولم يلتزموا بقواعد وأصول الصحة  العامة، من محافظة على النظافة الشخصية والتعقيم، والحفاظ على نظافة المكان وتهويته بشكل صحيح.

ثم ان حملة التلقيح ضد الكورونا في العراق متلكئة كما يبدو وبطيئة..ولم تبدأ لحد الآن، بل لم توضع لها الجداول الزمنية الخاصة بمثل هذه الحملات، ولم نعرف بالدقة العلمية أنواع اللقاحات التي ستستخدم في العراق، وفيما أذا كانت مستلزمات خزنها متوفرة ومؤمّنة. فكما هو معروف فأن بعض اللقاحات وخاصة لقاح فايزر/بايوتنك أنما يحتاج الى درجة حرارة تقل عن الصفر المئوي ب 70 درجة، وهذا بدوره يحتاج لأجهزة تبريد خاصة. كما لم نسمع عن حشود الأطباء والصيادلة، والممرضين والممرضات، من الذين سيقومون بحملة التلقيح ضد الكورونا، وهل سيتم تدريب متطوعين ومتطوعات في هذا المجال؟. والأمر الذي يبعث على الأستغراب أن لا حملة توعية وتثقيف تجري في العراق للتعريف بأهمية التلقيح، والتصدي للأشاعات، والتي تملأ الشارع العراقي ضد اللقاحات، والتي أثبتت البحوث والتجارب الطبية السريرية فائدتها الكبيرة للحد من الأصابات بالكورونا، وخاصة الشديدة منها، بل والحد من أنتشار الفايروس في المجتمع. وأذا كنا أكثر صراحة في هذا الموضوع، فلابد أن نقول أن لا مناعة قطيع ممكنة دون الأنتباه الى حملة التلقيح والأستعداد لها. حتى أذا  ترك الحبل على الغارب، وأنتشر الفايروس بين الناس دون رادع، فأن ذلك يعني حصول آلاف مؤلفة من الأصابات بين أبناء الشعب، وآلاف من المرضى في المستشفيات، بل وآلاف من الوفيات.

وعلاوة على كل ذلك فالدول المجاورة للعراق ينتشر فيها الفايروس بشكل وبائي خطير، ولم نسمع عن أجراءات حدودية معينة تؤمّن البلاد وتحميها من أن تصلها السلالة الجديدة من فايروس الكوفيد19.. خاصة منها البريطانية والجنوب أفريقية، والتي رصدت حالاتها في بعض دول الجوار العراقي.

ثم من حقنا أن نسأل عن خطة خلية الأزمة في التعامل مع الكورونا، فأين الأختبارات الخاصة بتشخيص الفايروس، وعزل ومتابعة المصابين، والذين كانوا على تماس معهم، مما يجب أن يصرّح به المسؤول بشفافية ووضوح، ويعمل على تنفيذه حالا؟. فمن حق المواطن أن يعرف الحقيقة.. كل الحقيقة.. فلا يمكن أن تتخذ قرارات من قبل المسؤول دون توفر المعلومات أمامه وأمام الشعب الذي يقوده.. أمامه ليتخذ القرار الصحيح، وأمام الشعب للأقتناع بغية الألتزام بالتطبيق.

أن فرض منع التجول لساعات محدودة ليلاً لن يكون الحل الأمثل لمشكلة وباء الكورونا، والتي تتفاقم عراقياً للأسباب التي ذكرتها. فلابد من حلول ناجعة، وخطط متكاملة، للحفاظ على صحة المجتمع، وصحة الأنسان العراقي الذي عانى الأمرّين، كما عانى أقتصاد البلاد من مشاكل كثيرة، جراء عدم القدرة على السيطرة على وباء الكورونا.

ولا ننسى في هذه العجالة من أن ندعو الى بذل أقصى الجهود للحفاظ على صحة وسلامة الكوادر الطبية والصحية العراقية، العاملة في المستشفيات والمراكز الصحية الأخرى، حكومية كانت أو أهلية. فلقد ضحى الزملاء الأطباء مثلا بالكثير، وأستشهد العشرات منهم بمختلف الأعمار والدرجات العلمية والوظيفية، بسبب مضاعفات الأصابة بفايروس الكورونا، وعليه فالدولة العراقية مسؤولة عن توفير أفضل ملابس الوقاية الشخصية، ومعدات الحماية الأخرى المعروفة للأطباء، وللعاملين في المجال الصحي، من ممرضات وممرضين وصيادلة وغيرهم، مما يساهم في الحفاظ على سلامتهم، ويقلّل من أحتمال أصابتهم بالفايروس. هذا أضافة الى أعطائهم الأولوية في التلقيح ضد الكورونا، وحالما تم توفير اللقاح.

وكما لا يخفى، فالتطورات كبيرة ومستمرة في علاجات مرضى الكورونا وبمراحل الأصابة المختلفة، مما تجيزه المستشفيات في العالم، وتجيزه أيضا منظمة الصحة العالمية، والتي يتوجب على المسؤول العراقي التنسيق الكامل معها، ومع كل دولة تملك القدرة وترغب بمساعدة العراق في مجال مكافحة الوباء.

كما لابد من أن نذكر الأهمية القصوى لأجراء البحوث العلمية حول أصابات الكورونا في العراق. وهي بحوث وبائية، وميدانية، وسريرية، ومختبرية، الى غير ذلك مما يعطي البيانات والمعلومات الدقيقة والضرورية، والتي تساعد على تفهم ما يجري في الساحة العراقية بصدد فايروس الكورونا. كما لابد من حضور الشفافية والصراحة في تبيان نتائج هذه البحوث ونشرها للناس، والتعريف بأبعاد المشكلة الصحية الوبائية تفصيلا، فهذا وحده الكفيل بأن يتجنب الوطن الكوارث.

 والله من وراء القصد.

 

د. عامر هشام الصفّار

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم