صحيفة المثقف

حسين فاعور: أنا ابنك العاق

حسين فاعور الساعديأمي الأرض.. أنا ابنك العاق


أعطيناك يوماً، أنا وأخوتي، وأنت من أعطانا كل الأيام.

أعطيناك يوماً رفعاً للعتب.

وضحكاً على الذقون.

أعطيناك يوما لنمارس فيه التهريج والتدجيل والكذب.

ونشفي حبنا للخطابة والزعامة والرتب.

أعطيناك يوماً هو الثلاثين من آذار لننساك بقية الأيام.

لم ننسك بقية الأيام فقط إنما طعنّاك من الخلف.

ولم يطرف لنا جفن.

وآذيناك بالغباء والعنف.

أحرقناك ونحن نحرق بعضنا.

مزقناك ونحن نمزق بعضنا.

ولم يندى لنا جبين.

كل الشعوب تحتضنك، ترعاك وتزينك.

إلا أنا وأخوتي نأخذ منك ونطعنك.

نملأك بقاذوراتنا وأوساخنا.

ونتعارك كالبغال فوق جراحك

استدعينا كل ذئاب العالم

لتحرس خوفنا وجببنا

جلبنا كل وحوش الدنيا

لنلعق مؤخراتها بألسنتنا المغرمة بالقذارة.

نضايقك بأمراضنا المستعصية وأنفاسنا النتنة.

أهملناك ولم نزيّنك.

ندوسك بأقدامنا الثقيلة المؤذية.

نسيناك وتذكرنا أشياء كثرة غيرك:

تذكرنا الكرسي .

تذكرنا الوظيفة.

تذكرنا الجنس.

تذكرنا الملذات.

تذكرنا العنف.

تذكرنا البلطجة.

تذكرنا المال.

تذكرنا القتل واللصوصية.

تذكرنا كل شيء غيرك.

شعبنا العربي نسيك وراح يفتش عن كل شيء بعيداً عنك.

ينتظر البواخر المحملة بالقمح والفواكه والخضار والمسابح.

شعبنا يملأ بطنه ليس من كد يديه.

حول سهولك إلى صحارى تغطيها الرمال.

حول جبالك إلى مسامير صدئة عارية.

حول أنهارك إلى مكبات للنفايات ومصارف لمياه المجاري.

حول هضابك إلى مراكز مراقبة للعنف والجريمة.

حول مغاراتك إلى أوكار للقتلة المتخلفين.

حول آثارك وتاريخك إلى مزابل.

حول جامعاتك إلي سجون.

وعلمائك إلى مطاردين.

وأدبائك وشعرائك إلى طبالين.

جمع ورودك وأزهارك ليضعها أكاليل كذب وهراء على قبور من احرقوا فيك الأخضر واليابس.

شعبنا باعك ليشتري عربة فاخرة.

أو ليبني بيتاً كبيراً.

أو ليصبح رئيساً.

أو ليحج إلى بيت الله.

أو ليخرج في جولة حول العالم.

أو ليلبس بدلة وربط عنق.

شعبنا قايضك بفرج عاهرة.

شعبنا أغرقك بالدماء المخلوطة بالقاذورات والنفايات.

شوهك بأنانيته وتخلفه وجهله.

ترك الأشواك تغمرك.

ترك العطش يضنيكِ.

ترك الجفاف يحرقك.

تصدع وجهك.

تكسر وتشابك وتساقط شعرك.

ملأت البثور والدمامل جلدك.

تشقق خداكِ.

وأعمت الرمال عينيك.

جف ريقك ويبس لسانك.

نسيك وراح بعيداً مع نزواته وغرائزه.

وعلى بعد أمتار منه، وبين ظهرانيه، جاء من يكحل عينيك.

من يمشط شعرك.

من يلاطف جلدك.

من يرطب خديك.

من يسقيك الماء ويبل ريقك.

من يزينك ويعطرك كل صباح وكل مساء.

من يرفع شالك من بين أقدام أبنائك المتعاركين.

من يزرعك بالورود والرياحين.

من يزرعك بالموز والتفاح والعنب والنخيل.

من يجرب التوفيق بينك وبين كل النباتات المعروفة.

من يحاول التقريب بينك وبين كل الحيوانات المفيدة.

من يحاول تدجين كل الحشرات لخدمتك.

من شق فيك الشوارع والجسور.

من بنى المدن الجميلة والقصور.

من غمرك بالحدائق والرياحين والزهور.

من يعمل ليل نهار على نظافتك.

من يعاقب من يضايقك.

ومن يسهر على راحتك.

ويستر عورتك.

لذلك بدأت يا أمي أخاف من السؤال:

من أحق بأمومتك؟؟

أنا المشغول بالخطابات.

أنا المسكون بالشعارات.

أنا المقيد بالنزوات.

أنا المتهالك على الدناوات والرذائل والسرقات.

أنا المملوء بالحقد والكراهية لأخي وجاري.

أنا الذي شوه فيك كل شيء

أنا الذي لا يغار عليك

أم هذا الذي كالخلد يغربل ترا

بك ليل نهار؟

ويجعلك هدفه الأول والأخير.

ويجثو على ركبتيه لينال حبك ورضاك.؟

خسرتك يا أمي

خسرتك لمن يرعاك ويحضنك

خسرتك ولن أصحو إلا بعد فوات الأوان.

فلا تسامحيني.

اغضبي علي وأحرقيني بغضبك.

أحرقيني بغضبك.

لأنني خسرتك.

وأنكرت أني خسرتك

***

حسين فاعور الساعدي

الحسينية 30.03.2021

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم