صحيفة المثقف

عادل بن خليفة: أبو مدين الغوث وبِشارة العاملي قائدانا إلى فلسطين وليس صلاح الدين

عادل بن خليفة بالكحلة- صلاح الدين الأيوبي ليس رسول الله، ليكون معصومًا عن الخطإ، ولكي يبقى بمنأى عن نقدنا.

- وصلاح الدين الأيوبي ليس صحابيًّا، لأترضّى عليه، أو لأجعله بمنأى عن النقد.

1- صلاح الدين الأيوبي: خصائص المشروع:

صلاح الدين، ضابط عسكري، مستواه التعليمي بسيط جدًّا، ومن الطبيعي أن يفهم في العسكرية أكثر ممّا يفهم في السياسة أو الدين أو الاقتصاد. ومن البَدَهي، أنه لا يحمل الصفات المثالية للحاكم لدى الفقهاء، فقد أخذ السلطة بالغلبة، ثم ورثها، ولم تكن دولته دولة دستورٍ (كصحيفة المدينة) ولا دولة انتخابٍ (كانتخاب النقباء والنقيبات الذين شاركوا رسول الله السلطة) ولا دولة شورى ولا دولة ديمقراطية. وقد أَحْرَقَ بيت الحكمة بالقاهرة، وهي تحوي مائات الآلاف من الكتب الفلسفية والطبية وفي العلوم الطَّبيعية والتِّقَانيّة، وهي كارثة حضارية تكافئ كارثة حرق هولاكو لأكثر محتوى بيت الحكمة ببغداد. وقد أغلق جامع الأزهر (أي الجامعة الوطنية)، وبقيت مصر دون جامعة للتعليم العالي حتى فتحه المماليك بعد سقوط الأيوبيّين. وقد أعْدَم أعظَم حَكيم في العَالَم آنئذ (شهاب الدين السُّهْرَوَرْدي) دون أي ذنب سياسي، وفي ذلك خسارة حضارية عظيمة للإسلام، إذ لو عاش ذلك الشاب أكثر من 35 سنة لا ندري ماذا كان سيضيف للإنسانية بعبقريّيه الفذّة، بينما قرَّب إليه موسى بن ميمون اليهودي، ولسنا ضد الأديان، ولكن لا عقل لمن يميّز بين يهودي ومسلم، خاصة أن ابن ميمون كان ضد دولة مُوَحِّدِيّة لم تضره في شيء، ولم تجبره على الإسلام، كما افترى عليها.

وقد دشّن صلاح الدين بمصر تقليد حُكم العسكر، ومازالت مصر تعاني منه إلى حد الآن. فمَنْ يَعْبُد صلاح الدين الأيوبي ليس من حقه أن يكون ضدَّ حُكم السيسي أو ضدّ حكمٍ عسكريٍّ في السودان أو العراق أو سوريا أو تركيا أو اليمن أوليبيا، أو غيرها.

2- صلاح الدين الأيوبي ضد تحرير فلسطين:

لم يكن الانتصار العظيم في حطين، بفضل ذكاءٍ عسكريٍّ عظيم من ضابطنا العسكريّ، بل بفضل الحضور العَدَدي الهائل للطريقة الصوفية (رغم أنف مكفّريها) بقيادة أبي مَدْين الغوث الإفريقي، وبفضل انضمام كل الطَّوْق العامليّ الذي حَوْل فلسطين بقيادة القائد العسكري الداهية بِشارة العاملي (رغم أنف المكفّرين). فمِن سوء حظِّ الإسقاطِ التأريخي السلفي/الإخواني، كان «المبتدعةُ» و«كُفار المسلمين» هم العامل الحاسم في الانتصار (راجع: ابن شدَّاد، الأعلاق الخطيرة، وزارة الثقافة السورية، 1991، في وقائع المعركة).

لكنَّ صلاح الدين، الحاكم الانقلابي، أفسَدَ الانتصار وحوَّله بسياسة ما بعد الانتصار إلى هزيمة. تمامًا، كما فعل السادات إذ حوَّل شبه الانتصار في أكتوبر 1973 (ولو أن البطولة تتحملها الجبهة الشمالية-السورية التي أربكت الإسرائيلي على الجبهة الجنوبية-المصرية) إلى هزيمة لأنَّ العسكريَّ السادات ساذج (إن لم يكن عميلاً) في سياسة ما بعد الانتصار.

فقد خيَّر صلاح الدين بعد الانتصار الأيّوبي- الصّوفي- العامليّ (إن كان ترتيب النعوت صحيحًا) الراحة، فأسرع بطلب «السلام» من الفرنجة. وقد غضب أبو مدين الغوث، ذلك المثقف والإصلاحيّ العظيم، وكذلك بشارة العاملي، ونبّهاهُ إلى أنَّ المنتصر ينبغي أن يتقدم إلى كلّ فلسطين، بل إلى كل الثغور التي احتلها الصليبيون قسْرًا. ولذلك أبْعَد الحاكمُ الانقلابي المَدَدَ الغوثيَّ المغربي إلى إفريقية، ثم قتل بشارة العاملي وفتح مجزرة رهيبة في قبيلته عاملة. استغل الصليبيون الهدنة المفتوحة (الأبدية)، لأنها تعني شرعية وجودهم، بل فرضت اتفاقية الهدنة إعادة صلاح الدين لهم: حيفا ويافا وقيسارية واللد والرَّملة وغيرها، وبذلك أصبحت لهم كل فلسطين باستثناء القدس (راجع: ابن شدّاد، الأعلاق الخطيرة، وزارة الثقافة السورية، 1991، ص177 و178 وص259). وما يستفز الروح السيادية الإسلامية- المسيحية العربية هو لفظة ابن شدّاد: «شرطوا عليه» لنفهم أن صلاح الدين هو طالبُ الهدنةِ!!

بَلْ استغل الصليبيون فرصة تراجع الروح المعنوية للمسلمين (والمسيحيين العرب) ليوسّعوا حِمَاهُم. بينما اهتم الحاكم العسكري، صلاح الدين، بتقسيم «رزق الوالِد» (كما يقول التونسيون) الكردي بين إخوته وأولاده. فأصبحوا متقاتلين بعده، واضطروا للاستنجاد بالصليبيين ضد بعضهم البعض.

وهكذا لم تكن 10 سنوات فحسب (بل أقل) حتى رجعت القدس (عروس عروبتنا) بسهولة تامة إلى السيطرة الصليبية، لكي تبقى كذلك أكثر من 125 سنة. فالمحرّر الحقيقي للقدس، ليس صلاح الدين، وإنما الظاهر بيبرس وعدُوُّه الناصر قلاوون المملوكيَّان.

وكيف يكون صلاح الدين، الضابط العسكري، عاشقا لفلسطين، وكاتبه الوفيّ، العماد الأصفهاني، يعترف أن سيّده رفض مَددَ الخليفة العبّاسي القويّ: الناصر، لحظة انتصار حطين، ليواصل الزحف نحو كل فلسطين، لكنَّ صلاح الدين رفض، لأن لا يريد الوحدة الإسلامية (كأبي مدين الغوث وبشارة العاملي) إذ هو عميق الشهوة للسلطة والانفراد بالمجد، والاستبداد، فأرسل إليه الخليفة رسالة يعنِّفه فيها (راجع: العماد الأصفهاني؛ الفتح القسي، دار المنار، 2004، ص183). فهو لا يريد أن يكون واليًا بدار الخلافة، بل يريد أن يكون منفردًا بالمجد. وهذا الذي أعمى حكام دولنا العربية، فضاعت فلسطين اليوم، مثلما ضاعت في عهد صلاح الدين الأيوبي لـ125 سنة أخرى!!! وحتى لا يصرّ الخليفة الناصر العباسي على عزمه التحريري، سارع الضابط العسكري إلى عقد اتفاقية سلام دائم مع كل الصليبيين، فذلك ما سيحفظ سلطانه حتى يوم القيامة!!

خاتمة:

إن من العوائق اللاواعية في اتجاه تحرير فلسطين هو عبادتنا لصلاح الدين الأيوبي. وهي عبادة غير قائمة على معرفة بالتاريخ من مَصَادره (وخاصة المَصَادر المعاصرة للضابط الانقلابي، الجاهل بقيمة العلم والحكمة والعلماء والحكماء والحضارة).

وهذه العقدة غير الواعية، تجعلنا هُدْنِيِّين مع بريطانيا مؤسِّسة «إسرائيل» عام 1948؛ وَلائِيّين للولايات المتحدة الأمريكية معيدةِ خَلْقِ إسرائيل، بل هي مؤسِّسَة الصهيونية قبل أوَّل صهيوني يهودي؛ ومسيحي ومسلم، و«سَلاميّين» (=استسلاميين) مع العدو الصهيوني ومُطبِّعين معه، سواءً كنّا علمانيين أو يساريين أو إخوانًا مسلمين من تركيا وتونس ومصر وسوريا...

وبذلك يصبح شمعون بيريز «الصديق العظيم». عند محمد مرسي وتصبح فلسطين، في آي- باك عام 2011 «قضية تهم الفلسطينيين»، ويُصبح إدراج مبدأ مناهضة التطبيع في الدستور التونسي أمرًا غير مطلوب.

فمن أجْل فلسطين، كل فلسطين.

ومن أجل الوحدة العربية والوحدة الإسلامية، ومن أجل مناهضة الغلبة والانقلابية العسكرية بل الانقلابية على إرادة الشعب.

ومن أجل بيت الحِكمة والأزهر (اللتين قَتَلَهُما صلاح الدين).

ومن أجل الحضارة (التي دَمَّرها هذا الضابط العسكري). ... علينا أن نستأصل هذا الإله: صلاح الدين الأيوبي مِن قلوبنا إلى الأبد، حتى لا نعيد إنتاجه في كامب دَيْفِد، وفي آي- باك، وفي وزارة السياحة التونسية.

وأن نعيد أرواح هؤلاء العظماء (أي روحياتهم) إلى مشروعنا التحريري لفلسطين، كل فلسطين: أبو مدين الغوث، أبو الحسن الشاذلي وتلاميذه الذين قاوموا الصليبيين في الإسكندرية والقدس، وشهاب الدين السُّهْرَوَرْدِي...

عاشت فلسطين إلى الأبد!!

 

د. عادل بن خليفة بالكَحْلة

(باحث إناسي واجتماعي، تونس)

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم