صحيفة المثقف

زهرة الحواشي: كرّاس محفوظات بمائة وخمسين دينارا

زهرة الحواشي

"اللٍي ما يجيبش كرّاس محفوظات جديدة نعطيه صفر!"

هكذا قالت معلّمة الفرنسية في مطلع الثلاثي الثاني من السّنة الراّبعة ابتدائي .

رجعت للمنزل بعد الدّرس لكنّي لم أجد لا أبي ولا أمّي .فقد ذهبا لزيارة جدّي المريض بالقلعة الجردة ولم يبق في المنزل سوى أخي وأختاي الصّغيرتان .

ماذا أفعل لا بدّلي من نقود لأشتري كرّاس محفوظات جديد  وإلّا سيكون نصيبي صفرا وأنا الأولى بالقسم  وأنيستي بيّة معلّمة الفرنسيّة لا تقول كلاما إلّا وتنفّذه بحذافيره؟

بقيتُ في حيرة من أمري واشتدّ بي الحزن .

 غدا العاشرة حصّة الفرنسيّة، ما العمل؟

و فجأة وجدتُ الحلّ ويا له من حلّ!

تذكّرتُ أنّ أمّي كثيرا ما تضع النّقود المتبقّية من المصروف فوق خزانة الماعون فساورتني الفرحة، ربّما أعثر على ثمن كرّاس المحفوظات!

وضعت كرسيّا أمام الخزانة وصعدته وأمسكت طرف الخزانة بيدي اليسرى ومددتُ اليمنى إلى فوق الخزانة لكنّها لقصر قامتي لم تصل إلى المكان المأمول .

تمطّتّ بكلّ قواي لمكنّني لم أبلغ سطح الخزانة .

نزلت من الكرسيّ ووضعتُ فوقه كرسيّا آخر صغير الحجم وصعدت ثانية . بلغت مكان النّقود . تلمّستها وأخذتُ اجمعها بين أصابعي وكنت كلّما قبضتُ على قطعة أفلتت منّي الأخرى فأعيد المحاولة من جديد ولم أتفطّن إلّا والكرسيّ الصّغير ينقلب بي ومن فرط خوفي أمسكت بقرن الخزانة وتشبّثت به فانقلبت الخزانة إلى الأمام وفُتحَت أبوابها وسقطّتُ أنا أرضًا وتساقط الماعون الذي كان بداخل الخزانة فوقي .

تكسّرت كلّ الاواني الزّجاجية وجرحتُ في جبيني من الجهة اليسرى وفي يدي اليمنى جروحا طفيفة لحسن حظّي وتناثرت قطع  الكنز المنشود في ارجاء المطبخ  فانسللت بصعوبة  من تحت الخزانة ومسحتُ جراحي وأخذت النّقود وأسرعت إلى الكتبيّة واشتريت كرّاس المحفوظات الفرنسيّة الجديد واشتريتُ بما تبقّى قلم رصاص .

كنستُ بقايا الزّجاج ووضعت عشاء إخوتي وانقضت اللّيلة .

و في الغد باكرا رجعت أمّي وأبي وهالهما ما حلّ بي وبالخزانة واحتسبت امي خسائر الأواني التي تكسّرت فكانت قرابة المائة وخمسين دينارا .

حمد أبي الله على لطف ماحدث لي وداوت أمّي جراحي بكلّ حنان ولكنّها حزنت على أوانيها الجميلة .

أمّا أنا فكنتُ فرحةً بكرّاسي وقلمي وبإفلاتي من الصّفر .

ملاحظة: مازال أثرُ أحد الجراح ظاهرا بين أصابع يدي اليمنى إلى حدّ  تاريخ كتابة هذا النّصّ .

***

زهرة الحواشي

من المجموعة القصصية "من حينا ذكرى"

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم