صحيفة المثقف

علجية عيش: الديمقراطيون الجدد على موعد مع الديمقراطية

علجية عيشهل ستكون 2021  سنة "دمقرطة" الانتخابات في الجزائر؟

(837 قائمة مستقلة على المستوى الوطني تنافس الأحزاب السياسية)

لأول مرة في تاريخ الجزائر ومنذ انطلاق أول انتخابات، خاصة بعد مرحلة سميت بالتصحيح الثوري يخوض مترشحون معترك الإنتخابات في قوائم حرة، بعضهم غير متحزب أراد أن يجرب حضه وبعضهم الآخر انشقوا عن أحزابهم فيما اختارت فئة محسوبة على الحزب العتيد عدم الترشح باسم حزبها والترشح بقائمة حرة لغاية في نفس يعقوب، أما الحراكيون أو "الديمقراطيون الجدد"  كما يصح تسميتهم فقد دخلوا بأزيد من 830 قائمة حرة على المستوى الوطني لخوض معركة الإنتخابات التشريعية وهم بذلك حطموا الرقم القياسي في تاريخ الإنتخابات في الجزائر

و علق مراقبون أن عزوف الأحزاب السياسية في الجزائر عن المشاركة في الإنتخابات التشريعية لموسم 2021  نابع عن قناعة، لأن الحراك للشعبي كان له اثر بليغ في نفوس المواطنين  والناخبين وأن الأحزاب مستهدفة من أجل إفراغ محتواها ووعائها النضالي، وبالخصوص أحزاب الموالاة، كونها تمثل جزءًا كبيرا من السلطة ووجب  رحيلها، وهي إشارة موجهة لحزب جيهة التحرير الوطني الذي نادى خصومه بوضعه في المتحف، بحجة الإصلاح والتجديد السياسي، الهدف منه إجهاض الثورة كمشروع شامل جاء به بيان أول نوفمبر 1954 وتبخر وحدة الجزائريين، ويزيد إصرارهم على وضعها في المتحف بعدما انحرف قياديوها عن السكة منذ الإطارح بالأمين العام الأسبق عبد الحميد مهري، واكتشف  بعض من وثق فيهم أنهم ضمن العصابة وهم جماعة يمثلون التيار البوتفليقي الذي ما فتئ الحراك الشعبي أن يطالب برحيلهم ومحاسبتهم أمام العدالة،  فقد كان الحراك الشعبي في الجزائر بداية تجسيد الديمقراطية في الجزائر  التي كان مطلبه الأول وإعطائها وجهها الصحيح، ثم إعادة الإعتبار للمواطن الجزائري الذي ظل مواطنا بدون مواطنة، ووضع حد للصراع الذي تفجر في مختلف المجالات بين الشعب والنظام .

فهذه الإنتخابات هي في الواقع صورة طبق الأصل لإنتخابات 1976 التي مورست بطريقة شمولية لتحقيق الديمقراطية التشاركية، تسربت إليها  فكرة الشفافية و"الغلاسنوست" فعرفت المرحلة بمرحلة شباب المجتمع الجزائري، هي نفس المرحلة التي عاشها الحراك الشعبي منذ انطلاقه في 22 فيفري 2019 الذي أطلق عليه اسم "شباب الحراك الجزائري"، ولعل البعض يقول أن جيل 1976 عاد  كالعنقاء في ثوب الحراك، حيث اتسمت مرحلة 2019  بالديمقراطية البراقة على كل المستويات، لأنه لأول مرة يغض النظام بصره عن الشعب ويترك الجماهير تخرج في مسيرات سلمية وتطالب برحيله، ابتداء بإسقاط العهدة الخامسة ومحاسبة العصابة، هكذا بدت المرحلة الأولى من الحراك  قبل أن يغير النظام نظرته للحراك الذي انقلبت عليه الأمور فوجد نفسه معتقلا ويزج به في السجون بدون تهمة أو محاكمة من قبل النظام الذي مارس ضده سياسة اتعسف ليفرض عليه سيادة التنين  le leviathan  أي مبدأ منطق القوة، وبالرغم من ذلك يُصِرُّ الحراكيون  على عدم التراجع والمضي قدما عن طريق المشاركة في الإنتخابات التشريعية من أجل إعادة الإعتبار للبلاد  ولمؤسسات الدولة وفي مقدمتها المجلس الشعبي الوطني الذي عرف هو الآخر هزّات بين الأحزاب الموالية للسلطة والأحزاب المعارضة، وصعدت من تحت قبة البرلمان أصوات تنديد وتهديد  تميزت بانسحاب نواب من دورات المجلس وبالإستقالات الجماعية، ويؤكد أن انتخابات 2021 لن تكون مثل الإنتخابات السابقة الي عبرت عن الروح الفوضوية التي بثت في المجتمع.

لقد استطاع الحراك الشعبي في الجزائر أن يتحمس لفكرة الخسارة والربح،  من أجل تطهير النظام من الفساد، وبناء دولة العدل والقانون، حيث تمكن من أن يوصل صوته إلى الرأي العام الدولي وينقل مطالبه ويكشف عن الوضع الحقيقي في الجزائر، ويؤكد  أن هذه اللعبة هي لعبة الديمقراطية الحقيقية وهي تختلف عن اللعبة التي لعبها النظلم السابق، لأنها تعبر عن إرادة الشعب الذي خرج إلى الشارع،  فكان  صوته  مدويا في ساحة الثورة وفي ساحة حرية الصحافة، مدشنا ميلاد جديد للمجتمع الجزائري، بعدما كسر كل القيود ورفع كل الطابوهات لبناء الديمقراطية الحقيقية،  مؤكدين أن الجزائر لم تكن خلاء من الناس أو خلوا من التاريخ أو شاغرة من الحضارة، فعلا تختلف المسيرات الشعبية السلمية التي خاضها الحراك الشعبي في الجزائر عن المسيرات التي نظمت إبان العشرية الحمراء وما سجلته من تجاوزات، ضرب فيها الطرفان المتحاربان (النظام والجماعات الإسلامية) عرض الحائط الرغبات الشعبية المخلصة.

فجيل الحراك اليوم أصبح  يعي ما حدث وما يدور حوله كونه اكتسب التجربة وأخذ الدروس من قادة العشرية الحمراء، ولأنه طبق شعار أو الحكمة المتوارثة  التي قالت على لسان عمر بن الخطاب: " لستُ بالخَبِّ ولا الخبُّ يخدعني"، هي رسالة وجهها الحراكيون إلى السلطة والقيادة العليا في البلاد وللديمقراطيون المزيفون الذين جعلوا من الديمقراطية وسيلة للوصول إلى الحكم وقالوا له ما قاله أبراهام لنكولن ذات يوم: " يمكنك أن تغر بشعب مرة أو مرتين، لكن لا يمكنك أن تغر به أبد الدهر"، فهل يحق أن نقول أن انتخابات 2021 هي انتخابات الحراكيين أو الديمقراطيون الجدد كما يصح تسميتهم، لكن الحقيقة لا يمكن أن نقول أن كل المترشحين في القوائم الحرة ديمقراطيون.

رغم أن جلهم لهم طموحات وأطماع ولهم مصالح وتكتلات، فقد خامرت أذهان البعض فكرة التخلي أو التخلص من الحزبية أو التحزّب خاصة وأن البعض منهم أو أغلبهم إن صح القول يمثلون المجتمع المدني أو يتكلمون باسمه من أجل الوصول إلى قبة البرلمان كلٌّ حسب منطلقاته وأهدافه، حيث قدم البعض نفسه باسم ناشط جمعوي  من أجل مغازلة الطبقة الشعبية وكسب ودها يوم الاقتراع، أما الأحزاب فهي كما يبدو للبعض مجرد ديكور يزين به اليوم الذي يعبر فيه الناخبون عن أصواتهم بحرية وديمقراطية شفافة أمام الصندوق، وحسب الأجواء فقد تكون سنة 2021 سنة دمقرطة  الانتخابات في الجزائر، اللهم إذا كان "التزوير" هو سيد الموقف كالعادة، ما يمكن قوله هو أن استمرارية الصراع لا يخدم مسيرة تطور المجتمع وقد يؤدي هذا الصراع إلى الإقتتال من جديد مثلما حدث في العشرية السوداء وبدون خلفيات.

 

علجية عيش

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم