صحيفة المثقف

كاظم الموسوي: لجان التحقيق الدولية وعدالة الحقوق الإنسانية

كاظم الموسويبعد كل عدوان سافر، وبعد كل جرائم حرب وضد الإنسانية وإبادة جماعية، تحاول الإدارة الأمريكية الاعلان عن تشكيل لجان تحقيق دولية، عبر المنظمات الاممية، كالأمم المتحدة او توابعها، مثل مفوضية حقوق الإنسان التابعة لها، وغيرها.. وتسعى في الوقت نفسه إلى تنشيط علاقاتها الدبلوماسية في محاولات الالتفاف على النتائج والوقائع والمجازر الوحشية التي ارتكبت من الأطراف المدعومة من الإدارة الامريكية، بوكالة عنها، او التي هي السباقة إليها، مع استغلال العدوان وجرائمه لفرض سياساتها الإمبريالية من شباك اخر، بعد طردها من باب المنطقة المبتلية بجرائمها المعروفة بها واختراقاتها للقانون الدولي وانتهاكاتها الصارخة لحقوق الإنسان والمواثيق والأعراف الدولية. وأصبح أمرا معلوما أن أغلب المنظمات الدولية ومنها الأمم المتحدة أصبحت بشكل أو آخر تابعة لدائرة من دوائر وزارة الخارجية الأمريكية أو واجهة لأعمال مخططة من أجهزة الإدارة الأمريكية الاخرى، وهو ما يعني ان ما يصدر عنها، لاسيما في العقود الاخيرة، لا يكون الا في إطار المخططات الإمبريالية وسياسات الهيمنة والسيطرة وانتهاك القانون الدولي والمعاهدات الدولية، في الاعم الاغلب. وهذا الأمر أصبح موضوع تهكم على قرارات تلك اللجان والمنظمات وعلى الصمت الذي يصاحبها من جهات أو أطراف فاعلة أخرى في المجتمع الدولي، ويعطي انطباعات سلبية عن فهم العلاقات الدولية أو العدالة الإنسانية عموما.

اخر ما عرف عن تشكيل لجنة تحقيق دولية عن جرائم الكيان الإسرائيلي الأخيرة في عدوانه الأخير على قطاع غزة، والتي تمت بصعوبات عديدة قبل الاتفاق والتصويت عليها، وهي ليست الأولى، والخوف عليها مطروح  قبل بدئها، كما يتوقع لها أو ما تنتهي إليه. وسبقتها لجان تحقيق واصدرت تقارير ختامية وحددت الجرائم التي ارتكبت ودعت إلى محاكمة المجرمين واخذت مجالا لها في بعض الاعلام أو بعض الدوائر المنكوبة، ومن ثم رفعت الى الرفوف اذا لم تدفن في سراديب الملفات والتحقيقات والإدارات وامثالها دون أية إجراءات أو محاكمات أو اعلانات واضحة بادانات قانونية مثبتة، كي يمكن العودة إليها في زمن اخر، أو تبقى على الأقل في حكم الإقرار والقبول حتى يأتي لوقت الضمير الإنساني عهد أو فرصة ما له.

وقبل اعلان تشكيل لجنة التحقيق هذه هوجمت من قبل مسؤولين صهاينة، أمريكيين  واسرائيليين، ومتخادمين معهم. وكالعادة حصلت مناوشات خطابية ومساع لحرف توجهاتها أو تمرير مسالتها دون قرار ملزم لها. وقد جرى ذلك في الاجتماع الاستثنائي الذي عقده مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، لبحث تشكيل "لجنة تحقيق دولية حول المعركة بين الاحتلال الإسرائيلي والفلسطينيين". كما سمته وثائقه.

أعلنت الأمم المتحدة في 20 أيار/مايو الماضي في بيان أن الدول ستبحث خلال الاجتماع في "وضع حقوق الإنسان الخطر" في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما في ذلك في القدس الشرقية، وفي إسرائيل.(!). وطلب مشروع القرار أن تنظر اللجنة في "كل الانتهاكات المفترضة للقانون الإنساني الدولي وكل الانتهاكات والتجاوزات المفترضة للقانون الدولي لحقوق الإنسان" التي أدت إلى المعركة الأخيرة بين "إسرائيل" والفلسطينيين.(!). ويتركز التحقيق على "إثبات الوقائع" و"جمع الأدلة على هذه الانتهاكات والتجاوزات وتحليلها" و"تحديد المسؤولين قدر الإمكان بهدف التأكد من أن مرتكبي الانتهاكات يخضعون للمحاسبة". حيث ورد في النص أن "إفلاتا منهجيا من العقاب (...) قوّض جميع الجهود من أجل التوصل إلى حل عادل وسلمي".

اعلن في الختام عن قرار تشكيل اللجنة، بعد تصويت المجلس،  بتأييد 24 دولة ومعارضة 9 وامتناع 14، ونص الاعلان: بناء على طلب السلطة الفلسطينية وباكستان بوصفها منسقا لمنظمة التعاون الإسلامي- لصالح تشكيل لجنة دولية مستقلة للتحقيق فى الانتهاكات للقانون الإنساني وللقانون الدولي في الأراضي الفلسطينية خلال العدوان الأخير  على قطاع غزة منذ نيسان/ ابريل الماضي.

ورغم التصويت الإيجابي وصدور القرار بتشكيل اللجنة بما يتعلق بالقضية الفلسطينية، تبقى الخشية قائمة مما بعد القرار، وهو الأمر الأساس في مثل هذه اللجان وظروفها والقوى المؤثرة فيها. فالتجربة لا تخبر كثيرا مهما كانت النتائج وتتطلب لمثل هذا القرار والمواقف المصاحبة له ضرورة المتابعة والإصرار  على تنفيذه.

بالتاكيد رحبت الأطراف الداعية والتي صوتت لقرار تشكيل اللجنة، كتعبير عن موقف المجتمع الدولي واصراره على المضي قدما فى مسار المساءلة والمحاسبة وتنفيذ القانون وحماية حقوق الإنسان الفلسطيني. ورأت وزارة الخارجية الفلسطينية، "أن الدول التى لم تدعم القرار أقلية غير أخلاقية تقف على الجانب الخاطئ من التاريخ، وتكيل بمكيالين، وتنافق وتدعي التزامها بحقوق الإنسان، وتنحاز لجرائم الكيان إلاسرائيلي وتشجعه"، وتزوده بمعداتها، حتى المحرمة منها.

 وكانت رئيسة مجلس حقوق الإنسان التابع للامم المتحدة ميشيل باشليه قد قالت: "إن الضربات الإسرائيلية على قطاع غزة ترقى إلى جريمة حرب"، واعترفت في كلمتها بما حصل على الأرض. وأوضحت باشيليه، أنه إذا تبين أن هذه الهجمات استهدفت بطريقة عشوائية وغير متناسبة مدنيين، وأهدافا مدنية، فإنها قد تشكل جرائم حرب". وأضافت باشيليه، أن استهداف المدنيين وتدمير البنية التحتية يثير القلق، ويشير إلى أن "إسرائيل" لم تراع التناسبية، ومثل هذه الأعمال تعد جريمة حرب وانتهاكا للقانون الدولي. وأكملت «لم نر دليلا فى هذا الصدد على أن المباني المدمرة فى غزة كانت أهدافا لحركة حماس». كما ادعت الآلة الحربية الصهيونية، بينما فضحت الوقائع على الأرض مواقف المسؤولين عن جرائم العدوان والحرب والدمار والإبادة، وكشفتها الصور ووسائل الإعلام المباشر.

 أكد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان أن كيان إسرائيل استخدم مئات الأطنان من القنابل شديدة الانفجار فى هجماته الأخيرة على قطاع غزة، دون اعتبار لسلامة المدنيين فى القطاع الذى يعد من أكثر الأماكن اكتظاظا وكثافة سكانية فى العالم. وحذرت تصريحات لوزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، من تحول كيان إسرائيل إلى نظام فصل عنصري على غرار النظام السابق فى جنوب إفريقيا إذا استمر الاحتلال الإسرائيلي.

قرار تشكيل لجنة تحقيق دولية وكتابات وتصريحات مسؤولين غربيين عن وحشية الكيان وانتهاكاته للقانون الدولي وعن عنصريته وجرائمه، وبالرغم من كل محاولاته ضدها، تصب في خدمة القضية الفلسطينية الآن ولا بدّ من التأكيد عليها ومتابعتها حتى تحقيق أهدافها.

 

كاظم الموسوي

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم