صحيفة المثقف

كاظم الموسوي: في مئويته: النهضة مستمرة

كاظم الموسوييحتفل هذه الأيام الحزب الشيوعي الصيني في ذكرى تأسيسه المئوية.. قرن كامل من السنوات، جرت فيها مياه كثيرة، تحولات ومنعطفات ومتغيرات على جميع الاصعدة، محليا وخارجيا، وكلها لها تأثيراتها، بأي شكل من الأشكال، على وقائع الحياة، مباشرة أو بغيرها. ورغم طول الزمن فإن سنواته في تاريخ الشعوب قد تكون غير مطابقة لامتداده. قد تمر سريعة، خاطفة، أو بطيئة، مؤلمة. اعلاميا أرخ التاسيس فى شانغهاي فى اول تموز/ يوليو عام1921 كطليعة الطبقة العاملة الصينية والممثل الصادق لمصالح الشعب الصيني، من قومياته المختلفة، والقوة المركزية التى تقود قضية الاشتراكية فى الصين، وهدفه النهائي هو اقامة المجتمع الشيوعي. وفق صحيفته اليومية، الشعب.

واتخذ الحزب الشيوعي الصيني من الماركسية- اللينينية وافكار ماو تسي تونغ دليلا مرشدا له. وقاد الشعب من قومياته المختلفة فى خوض نضال ثوري طويل ضد الامبريالية والاقطاعية والرأسمالية البيروقراطية وحقق الانتصار فى الثورة الديمقراطية الجديدة ونجح في قيادة الكفاح الشعبي وتأسيس جمهورية الصين الشعبية -- حكم الدكتاتورية الشعبية الديمقراطية، وفي تنفيذ سلس للتحويل الإشتراكي، من الديمقراطية الجديدة الى الاشتراكية، وانشأ النظام الإشتراكي وطوّر الاشتراكية في مجالات الاقتصاد والسياسة والثقافة. واضاف برنامجه أن: المهمة الاساسية للحزب الشيوعي الصيني فى المرحلة الراهنة هى توحيد الشعب الصيني من جميع قومياته للعمل الجاد والاعتماد على النفس فى تحقيق تدريجي لتحديث الصناعة والزراعة والدفاع الوطني والعلوم والتكنولوجيا وبناء الصين كدولة اشتراكية متطورة الثقافة وديمقراطية رفيعة.

هل تمكن فعلا الحزب من انجاز كل ذلك؟. برغم الحروب الداخلية والخارجية وكل معوقات البناء وصعوبات النهوض العام استطاع الحزب أن يجعل من الصين الان الدولة الثانية في العالم اقتصاديا وبتطور مستمر على جميع الأصعدة ويعمل بسياسة وتوجهات عالمية ايضا. تختلف التقييمات لكل ما حصل في تاريخ الصين المعاصر، من تأسيس الحزب إلى قيادته الكفاح المسلح والصراعات الداخلية ومقاومة الإحتلال الياباني لجزء من شمال البلاد، الى التحديات الاستراتيجية في إدارة دولة ممتدة الأطراف ويسكنها أكبر عدد من السكان عالميا. وكذلك على مستوى التنظير والتوجهات الفكرية والنظرية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية طبعا. ولاسيما امام المتغيرات الدولية، وانهيار حليفه اللدود، الاتحاد السوفيتي، واستفراد عدوه اللدود، الولايات المتحدة الأمريكية في النظام الدولي الجديد.

قبل هذه المتغيرات، كانت التحولات الميدانية في الصين واسعة، سعة البلاد، وحينها برز ماو تسي تونغ، قائدا شابا مفعما برؤية ثورية، توضحت عبر تأسيس "الجيش الأحمر"، لقيادة ثورة وطنية شعبية ضد حكم الكومنتانغ المدعوم من الولايات المتحدة، وتكللت قيادته للتحرر الوطني بتأسيس جمهورية الصين الشعبية. ولم يكن دور ماو في ذلك وحده وحسب، وانما تمكن بسياساته الاستراتيجية من دحر المستعمرين وتوحيد الصينيين تحت راية واحدة، راية الحزب الشيوعي. واصبح عمليا قائدا ملهما ومتميزا وزعيما جديرا بموقعه، له فكره ونظرته التي طبعت تأثيرها على المجتمع الصيني، وخارجه. فتبنى عام 1958 مشروعاً ضخماـ، بعنوان: "القفزة الكبرى إلى الأمام" مستهدفا نقل البلاد من طابعها الزراعي إلى الصناعي المتطور، ففرض إجراءات صارمة وجداول عمل شاقة لكل السكان، رجالا ونساء، وسحب أكثر من 100 مليون فلاح وفلاحة لبناء قاعدة اقتصادية صناعية كبيرة، ولكن بتضحيات كبيرة ايضا.

 وبعدها انشغل بإطلاق "الثورة الثقافية" عام 1966، مطورا أفكاره لتعزيز مكانة الحزب الشيوعي، وتعبئة جيل الشباب ونشر الوعي الثوري عبر ألمؤسسات الإعلامية، وفي مقدمتها صحيفة "الشعب"، التي أفردت صفحاتها لخطبه وأفكاره الماركسية. وفي ضوء الثورة الثقافية تشكّل "الحرس الأحمر" للدفاع عنها وعن التحول الثقافي للقيادة الصينية. وشنت وسائل الإعلام المعادية للثورة والدولة الصينية حملة تشويه ممارسات اختصرت بعناوين "عبادة الزعيم"، ومطاردة المثقفين وإحراق الكتب وهدم المعالم التراثية والفنية باعتبارها رمزاً للرجعية. ودفعت اختلافات في القرارات والإجراءات إلى حالة اختناق ثقافي وسياسي، أفرغ المحتوى من تطورات التحديث والتغيير، واسهم في تحول سلبي تكرس في إطار صراعات داخلية وخارجية، أدت إلى تشويه الفكر والوعي، وانقسام القيادة والإدارة للحزب والدولة. وظهر هذا اكثر بعد موت ماو، وهو ما فسره الإعلام الحزبي بغياب القائد، صاحب الكارزيما القادرة على التأثير المباشر وقيادة الاتجاهات والسياسات. وهناك اراء متصارعة ايضا حول السياسات والقيادات ما بعد ماو، في القيادة والادارة، وملاحظات على طبيعة التحولات وترك بصمات التغيير في كل التحولات التي حصلت في الحزب والدولة الصينية. ولكن في مراحل الإصلاح والتغيير تمكن الحزب والدولة من النهوض والتنمية والتطور والاستفادة من كل التجارب الإنسانية في التحولات الاستراتيجية، التي رسمت صورة أخرى لبلد كالصين، إذ بقي الحزب هو الذي يقود البلاد ويضع الأهداف الرئيسية موضع التطبيق، محققا مهمات توحيد الشعب والتخلص من الأستعمار والنهوض بالأمة الصينية. وسلك خلال القرن من عمره اتجاهات وتبنى أفكارا في سبيل تحقيق التنمية الاقتصادية والسياسية، طارحا عبرها النموذج الصيني في الفكر والممارسة.

لم يتوقف الحزب عند بداياته، واستفاد منذ نهاية السبعينيات من القرن الماضي من تبني ثورة اقتصادية، تجمع بين أساليب بناء اقتصاد متنوع ومتقدم طموح ولا يتاطر بحدود نظرية، فتمكن من تحسين مستويات معيشة ملايين السكان خلال فترة قصيرة من الزمن، كما رسم مسار التنمية الأنسب للصين، بتقدير قياداته الجديدة، التي تمتعت بقدرات الاستجابة لمتطلبات التغيير وواكبت تطورات العصر مع الاعتبار لظروف الشعب والبلاد. كما قال زعيم الحزب والدولة، دينغ شياو بينغ -الذي يُعرف بـ"مهندس الإصلاح الصيني"- إن الاشتراكية لا تعني بالضرورة الفقر، مؤكدا على ضرورة جعل الصينيين أغنياء، وموضحا أن اشتراكية الصين منفتحة على قواعد اقتصاد السوق للاستفادة منها، إذ لا بد للصين من الاستفادة من كل الحضارات الأخرى، بما فيها الغربية.

و أكد الرئيس الصيني الحالي، زعيم الحزب، شي جين بينغ إنّ التنمية والتطور هما الأساس وليس التعددية وصخب الكلام باسم الديمقراطية أو الليبرالية في مجتمع المليار ونصف المليار نسمة، مضيفا أن الصين انفتحت اقتصاديا ولم تنفتح سياسيا، وأن ما يجري هو معركة بين حضارة غربية وحضارة صينية تقدم نموذجا جديدا للتنمية والاستقلال.

أما في خطاب مناسبة الذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي، فقد أكد الرئيس الصيني، وزعيم الحزب: أن نهضة بلده عسكريا واقتصاديا "لا رجعة فيها". وقال أن "الصين لا تضطهد دولا أخرى". وكرّر ذكر دور الحزب في تاريخ الصين الحديث، قائلاً إنه كان أساسياً في نمو البلد، وإن محاولات فصله عن الشعب"ستفشل". وقال إن "الاشتراكية وحدها هي التي يمكنها إنقاذ الصين، والاشتراكية ذات الخصائص الصينية هي وحدها القادرة على تنمية الصين". وأضاف: "لن نسمح أبدا لأي أحد بالتنمر على الصين أو اضطهادها أو إخضاعها". وتابع قائلا: "كل من يجرؤ على القيام بذلك يضرب رأسه في سور فولاذي عظيم يمثله أكثر من 1.4 مليار صيني".

 

كاظم الموسوي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم