صحيفة المثقف
علي الدباغ: طالبان الجديدة في كابل (2)
وضحنا في الحلقة الأولى خفايا اتفاق الدوحة بين طالبان الجديدة والولايات المتحدة والذي بموجبه أعطى الضوء الأخضر وعدم الممانعة لطالبان لتتقدم للسيطرة على الحكم في افغانستان بمشاركة وجوه شكلية من القوى الأخرى مقابل أن تتولى طالبان منع ومحاربة أي تواجد أو حواضن لخلايا وتنظيمات معادية للولايات المتحدة على الأراضي الأفغانية.
التقطت طالبان هذه الرخصة ولم تنتظر لأي مواعيد وجداول زمنية حددها اتفاق الدوحة للسيطرة على ما يمكن من الأرض حيث تتميز بخفة حركتها وبطشها وسرعة فائقة للتحرك مقارنة بالقوات الحكومية الأفغانية التي تهرب أمامها تاركة لها عتادها وعدتها مثلما حدث من هروب للقوات العراقية عند دخول داعش للموصل عام 2014.
إدارة الرئيس بايدن لم تراجع اتفاق ادارة ترامب مع طالبان ولم تعدل فيه شئ يذكر غير تحديد موعد 11 سبتمبر القادم لإعلان إكتمال الإنسحاب الأمريكي بعد فشل متواصل في سلسلة فشل تدخل القوات العسكرية الأمريكية في كل تأريخ تدخلاتها في البر الآسيوي، حيث خسرت أكثر من 2000 جندي و20 الف جريح بالإضافة الى التكاليف المالية الكبيرة على مدى عشرون عاماً، هاجس إدارة بايدن هو الإنسحاب ولتغرق أفغانستان في فوضى خلاقة مادام الغرق بعيدا عنها، بل هو المطلوب لإشغال روسيا وايران ولاحقا الصين وغربها الإسلامي بتداعيات الفوضى التي ستنشأ ويمكن حينها إستخدام وإحتواء ما يمكن إستخدامه وإحتواءه من مخلفات تلك الوضى ونواتجها من قوى وجماعات ضد أي أعداء حاليين أو محتملين في آسيا.
روسيا وإيران يدركان تماماً مخاطر الفوضى ويتوجسوا من طالبان الجديدة واتفاقاتها مع الولايات المتحدة، وبدورها طالبان فإنها أكدت للمسؤولين الإيرانيين على هامش ملتقى الحوار الذي جمعهم مع حكومة ألرئيس أشرف غني في طهران إنها لن تدخل في خصومة مع النظام في إيران ولم يتضمن اتفاقها مع الولايات المتحدة أي دور لها في مشاكسة إيران، بدورها إيران تسعى من خلال علاقاتها بترتيب انتقال أقل عنفا لمعادلة حكم جديدة تكون فيها طالبان فاعلا أقوى في مساعي حوار ثنائي بين طالبان وحكومة كابل، لكن طالبان في وضع جيد ولا تعطيها المفاوضات مكاسب كالتي تحصل عليها في تقدمها السريع والسهل لإمساك أراضي جديدة في طريقها لكابل.
تبقى روسيا والصين اللذان لا يملكان نفس التأثير الايراني وعلاقاتها الداخلية في أفغانستان يستشعران مخاطر وجود نظام أصولي متطرف للحكم على حدودهما حيث تمتلك روسيا أكبر قاعدة عسكرية في طاجيكستان الفقيرة المجاورة لأفغانستان، وكذلك يمكن أن يُحفز تنامي شعورا دينياً لدى الأقليات المسلمة خصوصا في الصين حيث لا يزال المشروع الأمريكي في تحريك مشاعر الإيغور في شينجيان واحداً من خطط أمريكا والغرب لإرباك وإشغال الصينيين في أزمة داخلية تتولى جزء منها تركيا في تبني وإيواء وتهيأة بعض الأفراد من الإيغور على أراضيها، والتي أُنيط بها دوراً مهما في الوضع الجديد القادم في إفغانستان يبدأ بحماية مطار كابل ومفتوح على التوسع والإمتداد حيث إنها الأقدر والأكفأ بالمقارنة مع باكستان التي لم تلبي مطالب الأمريكان في مواجهة طالبان ولا تعتبرها عدوة لها.
يبقى السؤال الأهم هو تطورات الوضع مستقبلاً في أفغانستان ومدى إلتزام طالبان بعهودها وهل ستقتنع بحصر نفسها في حدود أفغانستان الفقيرة المعزولة ذات الموارد المعدومة وتبقى إمارة إسلامية صغيرة ويتربع على عرشها أمير المؤمنين، حيث يمكن أن يعيد بعض التاريخ نفسه، ولا توجد ثوابت والكل متحرك والإتفاقات والتعهدات يمكن أن تبقى حبراً على ورق يضمها الأرشيف في الدوحة وواشنطن.
الإمارة الإسلامية تحتاج لأموال، وموارد أفغانستان لا تكفي لتمويل الأيديولوجيا الأصولية ولا توجد تعهدات من أموال البترودولار لحد الآن ويبقى البحث عن التمويل قائماً وحاضراً مادامت هناك بندقية باليد تغذيها أيديولوجيا القتال.
د. علي الدباغ