صحيفة المثقف

جواد كاظم البيضاني: ليس دفاعاً عن أرمينية.. بل دفاعاً عن الحقائق التاريخية

جواد كاظم البيضانيقبل أيام قرأت مقال لرجل تحدث في حقل معرفي مهم دون دراية بما يقول معتمداً عن التلقين وليس البحث والاستقصاء والتي تعد من أهم صفات المؤرخ الضليع، ولعله بدراية او بتوجيه حاول قلب الحقائق من خلال اعتماد المخيلة الميثولوجيا  التي ترتكز على الأسطورة، ولا شك فان تاريخ الترك في أعمه الأغلب بني على الأسطورة، فآمة لا تملك هوية تاريخية  تعتمد الميثولوجيا في بناء تدوين تاريخها، وقصة الذئاب الرمادية التي يتزين بها هذا الشعب واحدة من الأساطير المعروفة.

ما فهمته من مقال هذا الرجل أن الأرمن لا أصول تاريخية لهم في هذه الارض، وان يريفان مدينة اذرية!  وعلى الرغم من  معرفتي بتاريخ هذه الأرض ورسوخ العرق الأرميني فيها،  بيد أني التزمت الصمت لمراجعة المصادر التاريخية وأمهات المصنفات التي تحدثت عن هذه الأرض، فلا بد لي أن التزم الضوابط المعرفية في الرد اذا كان هناك خطأً تاريخيا، وعليه تصفحت بعناية كتاب فتوح البلدان للبلاذري أحمد بن يحيى بن جابر بن داود، فوجت ان العرب خاضوا قتال مع الارمن في مدن  الرها، وسميساط، وقرقيسيا، وآمد، وميافارقين ... الخ؛  قال في ذلك وفتح العرب أوزن عَلَى مثل صلح نصيبين ودخل الدرب فبلغ بدليس ..." (1) ولنترك البلاذري ونعود إلى خليفة بن خياط الذي تحدث بازهاب عن فتوح أرمينية(2) في كتابه المعروف تاريخ خليفة بن خياط، ثم ان اليعقوبي الذي عمل في ديوان الانشاء، وذهب إلى أرمينية ووصفها وصفاً مهماً وتحدث عن سكانها ومدنها وخراجها وذكر ا ناهلها من الأرمن فضلاً عن حديثه عن سكان اذربيجان من الاكراد، والحق أن البلاذي تتطرق الى الصلح الذي عقده الأكراد من سكان اذربيجان مع القادة العرب، وذا ذهبنا الى كتب الجغرافية الاصطخري، ابن خرداذبا في كتبهم المسالك والممالك ومسالك الممالك ويبقهم اليعقوبي في كتابه تاريخ البلدان فالحديث يطول عن الاتفاقيات التي عقدها العرب من البطارقة الأرمن، والبطريق هنا يعني النلك ويبدو أن رجال الدين الأرمن في ذلك الوقت كانوا يملكون الصفتين الزمنية والدينية، فهل هناك سبيل الى  مَنَاصٍ من اظهار الحقائق كما هي .

استمرت مراجعتي لهذه المصادر ايام دون كلل، رغم يقيني أن المعلومات التي نقلها صاحب هذا المقال الأسطوري لا ترقى الى الحقيقة بشيء . خلال ذلك تذكرت أساتذتنا رحم رحم اللّٰه الماضين منهم وحفظ الباقين ونفعنا بعلمهم؛ إنهم يقولون أن على المؤرخ أن يتحدث بحقائق التاريخ كما هي وان يمحص الأخبار ويدققها دون الخضوع إلى ميل او انفة او عصبية فهذه الصفات تبعده كثيراً عن صنعته، ويبدو ان صاحب هذا المقال لا يحسن الصنعة في اشاراته غير الدقيقة الى وقائع يجهلها او تجاهلها لغاية سياسية او مادية او بحثاً عن سفرة مع مليحات اذربيجان اللائي تميزن باختلاط جمالهن بين شعوب الأبروم، والآفشار، والبادار، والاشاخسيفين والبايدجائين، وشعوب اخرة من السلاف والفرس والاكراد حتى أصبحت نسائهم مقصداً لعشاق الجمال.

لنعود الى صلب المقال، ان الشعوب التي سكنت في اذربيجان مثلت الهوية الحقيقية لهذا البلد الذي توحد على يد الامبراطورية الفارسية ثم الروسية بعد أن كان أمارات متناثرة من (الكوبينيه، والشيكينية، والباكينيه...) وقسم من هذه الشعوب لا تزال تحتفظ بهويتها رغم ما يمارس عليها من ضغوط كبيرة لاذابتها عرقيا، وهنا على صاحب المقال مراجعة الحقائق فالتاريخ لا يرحم من تلاعب بهويته، ثم ان الحقائق لا تمحى بالادعاء بل هي ثابته عن المنصفين من المؤرخين وارباب هذه الصنعة. وعليه ان يكون عراقي ويغلب مصلحة بلده دون مصلحة الترك وان لا يكون ادات تطمس الهوية التاريخية، فالذي يتحدث بهذه اللغة الضحلة من المخاطبة التاريخية لا شك ان يكون أداة موجهة على بلده تستخدم عن الحاجة.

 

د. جواد كاظم البيضاني

......................

المصادر

1- البلاذري، فتوح البلدان، بيروت، مكتبة الهلال، 1998، ص ص 176 – 184.

2- أبو عمرو خليفة بن خياط بن خليفة الشيباني العصفري البصري (ت 240هـ)، تاريخ خليفة بن خياط،  بيروت، دار القلم، ط2، 1992.

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم