صحيفة المثقف

مصعب قاسم عزاوي: الحروب والخلافات البينية العربية

مصعب قاسم عزاويلطالما كانت حروب الأشقاء مروعة في سياقاتها ومآلاتها على نهج نحر قابيل لهابيل وحرب داحس والغبراء العدمية. ولكن الحروب والخلافات والشقاقات العربية المعاصرة تميزت بشكل بربري وحشي يذكر بالبربرية والوحشية في تعامل الأوربيين مع بعضهم بدءاً من مرحلة ما بعد سقوط غرناطة في خواتيم القرن الخامس عشر ومرحلة صعود الإمبراطوريات الاستعمارية الأوربية والتي كانت أهم ثمارها العجاف الحربين العالمية الأولى والثانية وما ترتب عنهما من تقسيم اعتباطي للعالم العربي في دول خلبية لا يتجاوز الأساس في تكوينها سوى الخطوط المرسومة على رمال أرضها لتقسيمها حسب مصالح مستعمريها الفرنسيين والإنجليز آنذاك. وهو ما يعني أن كل الخلافات المصطنعة لاحقاً بين الدول العربية ليست خلافات بين دول حقيقية، وإنما بين محميات ومجتمعات مصطنعة يشرف على أمورها نواطير مكلفون بشؤون المفوضين السامين لحماية مصالح أولياء أمورهم من المستعمرين القدماء الذين لم يرحلوا إلا شكلياً عن البلدان العربية بعد حصولها على استقلالها الشكلي عن مستعمريها. ولأجل إدامة ذلك النموذج المؤوف الأشوه من علاقة التابع بسيده، لا بد لكل التابعين من أن ينخرطوا في خلافات بينية فيما بينهم تضطرهم للعودة إلى السيد ولي الأمر لفض النزاعات بينهم، أو تسليح كل منهم لإخضاع أشقائه أو حتى إعدامهم واستئصال شأفتهم وأي تهديد محتمل لمحميته. وذلك هو الأسلوب الذي تم اتباعه مع كل الدول العربية التي أصبح كل منها يستقوي بولي أمره من الأقوياء سواء كان الاتحاد السوفيتي والأمريكان قبل انهيار ذلك الأول وتحول الأخير إلى شبه ولي الأمر المطلق لكل المستبدين من النواطير العرب. والمخزي إلى درجات لا يمكن تخيلها هو السلوك النمطي لبعض الدول الأمنية العربية التي كانت التهمة الجاهزة بالعمالة لدولة عربية أخرى كفيلة بربط حبل المشنقة حول رقبة المتهم بها، بينما العملاء الحقيقيون للمستعمرين القدماء والجدد يصولون ويجولون ويتفاخرون بعمالتهم المعلنة جهاراً نهاراً، وخيانتهم لكل الحقوق الطبيعية البسيطة التي لا تموت بالتقادم كحق المظلومين الفلسطينيين بالعودة إلى أرضهم التي هجروا منها في نكسة ونكبة العرب وما تلاهما من نكوصات وصدمات حولت معظم الدول العربية إلى حطام وهشيم اجتماعي يجاهد فيه المقهورون المظلومون المفقرون المنهوبون للبقاء على قيد الحياة والهرب الدائم من حراب وأسنة الدول العربية الأمنية وعسسها وبصاصيها وجلاديها وأجهزة مخابراتها التي بزت كل نظائرها وأسلافها في درجة تغولها على المجتمعات التي تستأسد على أبنائها وحيواتهم وأحلامهم وأفكارهم.

 

د. مصعب قاسم عزاوي

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم