صحيفة المثقف

عبد الجبار العبيدي: الممنوع في حوارات الوهم

عبد الجبار العبيديالتاريخ والدين والهوية كلها غائبة وممنوعة ومحرمة في حوارات الوهم عند المسلمين.. التاريخ هو الصيرورة الزمنية المتحركة والمتغيرة وهم يجهلون.. ارادوا له الثبات دون تغييربغية بقاء النص المقدس دون تأويل ليبقى لهم تفسيره دون الأخرين.. يتصرفون به كيفما يريدون وبأي زمان ومكان يحلون..ليبقى محتجزاً في أروقة لا نوافذ لها وهنا كانت محنتهم عبر السنين ولا زالت.. وكان اخراج الخلافة من الفروع الى الاصول فخاً ناجحاً جمد النظرية السياسية الاسلامية حتى اصبحت الخلافة دينا لا رئاسة للمسلمين لتحقيق الامن والعدل بينهم.. وألغاء الشورى وتحويل النص الى حديث مخترع فتحول الحكم الى حكم فردي شكل بؤرة الازمة السياسية عندهم.. فتأصل المرض في حكم الحاكمين..

ونجح الفقهاء في تحويل الدين الى مذاهب.. حتى أصبحت المذاهب عندهم آديان.. والهوية تدمير.. والتاريخ وًهًم.. فسادت نظرية ان العالم كله وطناً لهم بثرواته الأرضية والسماوية السائبة دون الاخرين، وهكذا أستغلَ وطن العراقيين اليوم.. فتجمدت نظرية النص المقدس على نمط معين بمسار طويل.. فحلت الفردية في كل هذا الزمن الطويل.. فهل تستطيع النظرية الوهمية البقاء متحدية نظرية التاريخ في التغيير..؟ مستحيل..

لقد زالت الفرديات والدكتاتوريات في العالم الا عند المسلمين فما هو السبب؟ لأن الحكم الفردي الذي ورثناه منذ وفاة الرسول (ص) أصبح ديناً يُمارس، وطقوساً تؤدى حتى اصبح التمسك به ضربا من الدين، والمغالاة فيه نوعاً من التقوى؟.. أنظر زيد الوزير.النظرية الفردية..

والحقيقة ان كل معتقداتهم الدينية التي طرحوها للعامة هي فرية منهم في هذا الزمن الطويل.. لانهم لا يؤمنون بتاريخ، ولا هوية، ولاوطن، ولادين.. فالمؤمن بالمبادئ لا يخون ولا يسرق ولا يقتل، ولايزور.. جرائم كلها أرتكبوها دون وازع من ضمير أنهم واهمون ان أعتقدوا أنهم سينتصرون.. فما لم يبتعدوا عن الخطأ المقصود ويعترفوا به لن يصلوا الى عدل السماء الأزلي وان سخروا لباطلهم كل أدوات القتل والتدمير..المغول مثالاً.. ولن تستقر فكرة التقدم في الأذهان عندهم ولن يتخلص الشعب من آفات الزمن.. ولن يصلوا الى حقيقة الفلسفة المعرفية التي تقودهم الى عالم الحقيقة وهم المتحكمون، لأنهم ضد عدل السماء الأزلي والزمن الطويل، وبدونهما سيبقون بعيدين عن حياة العلم.. والمبادىء.. والأنسان.. والقيم.. وهذا ما لا يعتقدون.. لأنهم أغبياء خاسرون..  أنظروا اليهم أصبحوا اليوم أذلة معزولين..

من هنا كان التراجع الحضاري كضاهرة حضارية عند المسلمين حتى ازيحت الأمة من ميدان الصراع السياسي والحضاري فغُلبت على امرها ولم تعد لها مكانة التاريخ.. وكأنها عادت لجزيرتها وتقوقعت مرة اخرى هناك.. وبقي الدين اسم بلا مسمى تتناهبه المذاهب البديلة التي مزقت امة الدين وحولتها الى فرق وجماعات..فلم يبقَ لهم دين معين ثابت الاركان والمعتقد حتى في المراسيم.. أنظر الى آذان الصلاة كيف أختلف والصلاة كيف تفرقت بفعل مذاهب التخريف، والأوقاف كيف تمزقت، المساواة بين الرجل والمرأة الى أين وصلت.. فأصبحوا لا يعرفون الدين وأهدافه ولا سياسته ولا معانيه.. لابل حتى نسوا ان كان لهم ملك أودين في القديم.

وهذا الرأي بحاجة الى مناقشة معمقة.. بعد ان اصبحنا نشكك بمن ارتد الى الوراء ان كانوا هم الذين قادوا الحضارة أم جماعات منهم طارئة لم تساهم في البناء الجديد. وهذا ما حصل بعد الهزائم التاريخية والتقوقع والعادات والتقاليد حتى حولوا الامة الى تقليد، وكأننا اصبحنا نعيش في امة لا تعرف الا ما يقوله مرجع الدين الصامت عن الرأي الصحيح صمت القبور.. وكأنه هو الدين.. هنا كانت النكبة والمحنة معاً.. لان الدين لايصنع دولة لكن قوانينه يجب ان تصنع العدل للمواطنين.. لا بل مهمتهم وضع القوانين.. قوانين أخلاق المجتمع والتعامل مع الأخرين كنظراء في الخلق وأخوة في الدين..ألم يقلها الامام علي(ع) أمير المؤمنين.. فأين هم منها من يدعون به اليوم..؟

أما المعرفة فهي الادراك الجمعي عند الشعوب منذ القدم.. فأين هم منها ايضاً..؟ وحدثتنا عن التطبيق وكيف نسيناهُ.. حين عدتها مؤسسة الدين من انتاج عالم الغيب والشهادة - نظرية وهمية عندهم – وما دروا ان المعرفة أزلية تلك التي حولها فقهاء التفسير مثل" الوصايا العشر "الأنعام 151-153" لكل الديانات الى آيات حدية دون تثبيت في قوانين قابلة للتطبيق لترضى السلطة عليهم ولاغير حتى تحولت قوانين الدين الى سرد من احداث التاريخ، وكأنها جاءت كقصص القرآن الكريم.. وحتى القصص ارادها القرآن ان تكون من احداث العِبرفي التاريخ"نحن نقص عليك نبأهم بالحق، الكهف 13".لكنهم حولوها الى وَهَم.. في الأعتقاد والتفسيرولم نفهم منها عضة الزمن في التطبيق..

وظلت نظرية الشك المنهجي بعيدة عنا لم نعرفها الافي نظرية الاعتزال "العدل الآلهي" وفي حرية الأرادة ضد فرق المرجئة والجبرية والوهابية والفقهية الولائية التي قادها الماوردي، والغزالي، وابن تيمية، ومحمد بن عبد الوهاب، والمرجع الديني الأزدي في النجف، والخميني ومن جاء من بعده في ايران.. وهكذا بنيت الدولة على سياسة فرض الامر الواقع دون تغيير. تلبية لرأي ولي الأمر في الاستحواذ على الحكم والموارد التي عدوها ملكا لهم دون الناس الأخرين.. ألم نحتاج اليوم لندق ناقوس الخطر على أمة في طريقها الى الزوال.. ؟

كان ولا زال من واجب المؤرخين ان ينبهوا الناس على حقائق الأمور في معوقات نظريات الفِرق الجامدة والبعيدة عن اهداف القيم الأنسانية والدين لكنهم فشلوا تحت سياط سلطة الدين:.. اذن كيف الحل.. للخروج من مأزق التاريخ ؟

- أكتشاف محتوى القرآن الحقيقي التأويلي بدلاً من التفسيرالفقهي الناقص بموجب الآية 7 من سورة آل عمران.. ان كانوا يؤمنون.. بالقرآن والدين.. لنخرج من أزمة الفكر السياسي الذي فرضته علينا مؤسسة الدين.

- يجب ربط التوجهات القرآنية بالمنطلقات التطبيقية لتحديد مسار الدولة في الحقوق والواجبات بين السلطة والمواطن بنص دستوري موافق عليه غير قابل للرفض عند التطبيق.. وهذا لم يتحقق في عالم الاسلام والدين.

- قبول النظرية العقلية التي طالبت بها الوصايا العشرفي التطبيق وخاصة في العدالة المطلقة بين المواطنين، "أعدلوا ولو كان ذا قربى" ورفض النظريات الفقهية الدينية التي وضعتها مؤسسة الدين المبنية على التفسير العاطفي والترادفي للنص الديني لنكون مشروعا جديا على مستوى الرؤية التاريخية الحالية والمستقبلية.. وهي بحاجة اليوم الى دراسة وتنظيم .

- الأعلان الرسمي عن أنتهاء نظام النبوة والرسالة للأيذان بأن الأنسانية قد بلغت سن الرشد، وعليها اليوم تحمل الأعباء لتقليص مهمة رجال الدين والقرآن لايعترف برجال الدين، ولا يخولهم حق الفتوى نيابة عن الناس، ولايميزهم بلباس معين كما فعل كتاب العهد القديم ليحررالناس منهم، ومن نظرياتهم الوهمية المبتكرة.. كما في الجهاد الكفائي الذي دمر الوطن العراقي ونقله الى سلطة لا تعترف بالقانون.

- الخلاص من الفكر الديني المتزمت والغاء ان الرئاسة في الدولة تعامل كعقيدة املا في الأتجاه نحو العقيدة التحررية ومنهج دراسي جديد للخلاص من الخضوع للطبيعة والقداسة الوهمية والتحرير من سيطرة الطبقات التي أدعت لنفسها احتكار المعرفة دون تثبيت.

- وضع القانون الذي يؤكد ان دعوة التوحيد الديني يستهدف المساواة الحقيقية بين الناس -الرجال والنساء- واماتة الفوارق بينهما استنادا الى آية الوصية رقم 180 في سورة البقرة ليعلوا الحق على النقص في التطبيق.

- انهاء نظرية الاحزاب الاسلامية اسما لا عقيدة لتحويل مكتسبات الشعب الى قانون يضمن حقوق الجميع، وأعتبار الأنسان هو محور الزمن في التطبيق.. كما عند الأمم الأخرى.. لنتخلص من زعامات الأحزاب الأسلامية التي مثلت دكتاتورية الخيانة والتزوير.

- الأيمان بجدلية الأنسان والبناء الحضاري لأيجاد ولادة حضارية جديدة.. فحكم الأمة يجب ان يخضع لمحور الزمن الذي يلعب دورا في التغيير، وليس لفرضيات مؤسسة الدين.. كنظرية أستقامة وحقوق..

- الشهادة الاسلامية في الصلاة يجب ان تحصر في"لا آله الا الله محمد رسول الله ولا غير"وبقانون للخلاص من الفُرقة المتبعة من فقهاء الدين.. وتوحيد الاوقاف بوزارة واحدة لكل الديانات دون تفريق.. لكي نتخلص من فتاوى مؤسسة الدين التي نهبت اموال المواطنين.. كما حصل في العراق بعد التغيير.

- التخلص من نظرية الجرح والتعديل - فالجرح يراد به بيان العيوب.. والتعديل يراد به المديح ومن هنا دخل التفريق.. والناسخ والمنسوخ – الآيات الوهمية وحشرها في التفسير الفقهي كما في تفسيرسورة النجم- - وقضية ابن السوداء عبدالله بن سبأ اليمني الذي لم يكن ولا كان قط.. وأمور اخرى لايسع المقال لذكرها.. لتوحيد العقيدة عند المسلمين.

الاعلان رسمياً عن خطأ الفتوحات الاسلامية التي كان الغرض منها الاستحواذ على البلدان ولم يكن للدين فيها من نصيب.. فالدين لا يجيز الاعتداء على الاخرين بل المساواة في الحقوق وأحترتم الانسان والأوطان.. لا أحتلالها وتدميرها " لكم دينكم ولي دين ".. لذا يجب الأعتذار الرسمي لمن فتحت بلدانهم عنوة واخذت اموالهم وسبيت عوائلهم دون ذنب جنوه في العالمين.. من هنا نقول :

ان مشكلة العقيدة الدينية في العالم العربي والاسلامي اليوم مشكلة معقدة تقف حائلا دون التقدم الحضاري للأمة وحقوق الأنسان بعد ان اصبح السيف هو الحل.. والسلطة اصبحت مُلك عضوض.. وانهاء فكرة الفقه السياسي القائم على الأراء الفردية المبتكرة منهم دون نص مكين.. تمهيدا لأحلال فكرة الأعتدالية في القانون.

نحن ملكنا سبل التغيير.. عند العلماء والمفكرين كما في المعتزلة وابن رشد ورشيد رضا وجمال الدين الأفغاني وأخيرا جاءت ثورة شباب تشرين الذين قتلهم حقد السلطة الدفين.. لكنها لن تستطيع بل بقيت السلطة تمثل عار الزمن الطويل.. نعم ثوار تشرين التي زرعت فينا فهم الدين والانسانية والعدل والقانون ولا زالت السلطة تتخوف حتى من اسمها الزاكي الرحيم .

نعم ان كبائر الامور تبدأ بصغائرها فلتكن ثورة احرار تشرين هي البداية.. الخلاص من التبعية الخارجية الحاقدة علينا وعلى الدين وبشائرها اصبحت ظاهرة للعيان في دولة المظاليم.. بأعتماد نظرية الأعتدال في حكم المواطنين.. والانتهاء من نظرية الخوارج والحاكمية الدينية وتحرير المرأة من حقد السنين وادخالها مجتمع الحياة بكل الحقوق.. كما يقول القرآن الكريم :"انا خلقناكم من نفس واحدة النساء 1"فاين الخلاف والأختلاف يا ناكري قوانين الانسانية والدين .

أما من حق المؤرخين اليوم ان ينبهوا الناس الى حقائق الامور لنقف على نظرية معوقات المعرفة والتقدم عند العرب والمسلمين.. وليعرف القارىء كيف يجب ان يفكرفي كل ما يجري امام عينيه.. فالمفاتيح ليس هو الماضي.. بل هو الزمان كله..

حتى نعرف لماذا تقدم العالم ونحن توقفنا في مكاننا دون تقدم.؟ فأذا كان الدين هو الحائل بيننا وبين الحقوق وصرارهم على ما يعتقدون.. فنحن لسنا بحاجة لدينٍ من هذا القبيل.. واذا كان الدين هوالعدل والقانون وهو الأكيد.. فنحن أول المتدينين.. فهل لمسنا عدلاً دينيا عبر السنين.. انظر كيف يفرقون اليوم في الحقوق بين المواطنين ؟ .

ايها العراقيون.. رتبوا بيتكم العراقي بالوحدة الوطنية بعيدا عن الطائفية والمذهبية المخترعة التي انتهى عهدها ولا تسمحوا للغاصب الطامع في وطنكم ان يمزق شملكم.. أستقيموا على الطريقة ليسقيكم الله ماءً غدقاً..

لا يوجد مستحيل لمن يحاول.. أطلب ايها المواطن المظلوم هذا الحق وان قل.. فنحن نحترم شجاعة من يقول الحقيقة او بعضها.. فهي أساس حياة المستحيل.. ؟.. لان صوتاً شجاعاً واحداً أكثرية..

 

د.عبد الجبار العبيدي

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم