شهادات ومذكرات

الشطرة .. محافظة ذي قار

abdulrazaq mohamadjafarالشطرة هو اسم مؤنث من (الشطر) وهو النصف او القسم وسميت كذلك لأن احد فرعي نهر الغرّاف الذي تقع على ضفتيه يقسمها الى (شطرين) متساويين هما الشطر الشرقي والشطر الغربي

 احدهما يسمى"الصوب الكبير"، ا لذي يضم معظم بيوت الأهالي وأســواق المدينة المتعددة الأختصاص مثل: سوق الصفارين والعطارين و غيرها، وان اكبر هذه الأسواق هو سوق "الخواجة"، الذي يضم معظم حوانيت الكماليات ومكاتب التجار.

اما الآخر" الصوب الصغير"، فأنه يضم دوائر الحكومة "السراي" والمستشفى الملكي والمدرسة الأبتدائية ونادي الموظفين ودار القائمقام ومقهى خاص لشباب المدينة المثقف.

  يرتبط الصوبان في وســط المدينة بجســر لعبور السابلة والدواب، وبالقرب منه يقع "الســـيف"، وهو المكان الذي تخزن فيه المنتوجات الزراعية من القرى المحيطة بالمدينة مثل: الشلب، وهو "الرزقبل ازالة قشـرته "، والحنطة والشــعير لبيعها الى تجار المدينة او التجار القادمين من مدن اخرى.

  تحيط بمدينة الشــطرة قبائل امتهنت زراعة الحبوب فقط، واخرى امتهنت زراعة الأنواع المختلفة من الخضروات يطلق عليها اســــم "الحســاوية"، وبالقرب من اطراف المدينة تســكن جماعات تمتهن تربية الجاموس والأبقار، وتصــنع مـن حليبها الكيمر "القشــطه" والزبد والروبه "الزبادي"، يطلق الناس عليها اســم " المعدان"، وقد وجد الباحثون الكثير من عاداتهم مشابهة لعادات ســكان العراق القدماء "الآشوريين"،

فالنســاء عندهم يمتهن بيع المنتجات الحليبية في اســواق المدينة ويشــترين بأثما نها جميع اللوازم البيتية، والرجال يمتهنون رعاية الدواب في المزارع والأهوار وحماية القبيلة من اي غزو خارجي.

 تتوجه القرويات صباح كل يوم نحو المدينة لبيع انواع المنتجات اللبنيه و لشــراء كل ما يحتجن له لمعيشتهن اليومية مثل السكر والشاي والسكائروالتبغ وغيرها. 

كان في ذلك العهد نظام خاص لجباية الضريبة على المنتجات التي تدخل المدينة لبيعها في اسواقها تسمى "الكاعيه"، يقوم بجمعها عمال متخصصون يرصدون كل قادم من كافة مداخل المدينة المتعددة ويفتشـون بضاعته بصورة دقيقة لتحديد المبلغ الواجب دفعه والذي يتحدد حسب نوع المادة وكميتها وفي بعض الأحيان حسب الجنس او جمال المرأة القروية ومقدار تحملها لغزل ذلك الجابي معها، سواءا باللمس او بالكلام المنمق وخاصة مع الصبايا با ئعات الكيمر الشــهيرات بجمالهن الفطري الذي يســر الناظرين.

 

الموقع:

تقع الشطرة على احد فرعي نهر الغراف المنحدر من نهر دجلة في منطقة الفرات الاوسط جنوب العراق حوالي 350 كيلو متر جنوب العاصمة بغداد.وتتبع اداريا وجغرافيا لمحافظة ذي قار.وبذلك فهي تقع بمنتصف المسافة تقريبا بين بغداد والمحافظات الجنوبية والخليج العربي.وهذا ما أهّلها لأن تحتل موقعا جغرافيا حيويا لسيطرتها على طرق المواصلات والنقل البري بين بغداد والخليج العربي من جهة وبين بغداد وباقي مدن الجنوب من جهة اخرى.

 

التسلسل الاداري:

يبدأ التسلسل الاداري في العراق بـ (المحافظة)وهي اكبر وحده ادارية ثم يليها (القضاء) وبعده (الناحية)،.. والتي تقسم بدورها الى مناطق وقرى (وهي اصغر الوحدات الادارية). الشطرة هي (قضاء) في التسلسل الاداري العراقي،... وهي احدى أربع اقضية توجد في محافظة ذي قار،اما الوحدات الادارية التابعة لها فهي:

 ناحية الغرّاف و ناحية الدواية و ناحية النصر وعشرات القرى الصغيرة والكبيرة والتي تمثل بمجموعها قضاء الشطرة.

 

السـكان:

ان اغلب سكان الشطرة سابقا هم الناس المثقفون اصحاب الشهادات والقيم الحضرية والذين يسمون محليا بـ(أهل الولاية)،لكن بعد الهجرات الكبيرة لسكان الريف والصحاري (البدو) من البادية الى المدن فقدت المدينة هويتها الاصلية بالنسبه لعدد سكان المدينة،لا توجد احصائية دقيقة للعدد الاجمالي،لكن حسب التعداد السكاني لسكان العراق عام 1997م بلغ العدد بشكل تقريبي 650،750 نسمة(متضمنا عدد سكان المدينة نفسها والقرى والنواحي التابع لها)

 

المساحة وتخطيط المدينة:

الشطرة هي ثاني اكبر قضاء في العراق ويتمثل هذا الأمر في المساحة الشاسعة التي تشغلها والكثافة السكانية الكبيرة الناتجة من العدد الكبير من العشائر التي تقطنها والقرى والنواحي التابع لها. اضافة الى المدينة نفسها.فمن الشمال،تمتد حدود الشطرة الجغرافية لتلتقي بقضاء الحي الذي يمثل نهاية الحدود الادارية لمحافظة ذي قار من ناحية الشمال ويفصلها عن محافظة واسط.ومن الجنوب تمتد اراضي عشائر الشطرة حتى تصل مدينة الناصرية التي هي مركز محافظة ذي قار.ومن الغرب تنتهي حدودها مع مدينة البطحاء التي تمثل نهاية الحدود الادارية لمحافظة ذي قار من ناحية الغرب وتفصلها عن محافظة المثنى.اما من ناحية الشرق، فتمتد اراضي عشائر بني سعيد التابعة للشطرة حتى تصل هور الحمّار الذي يقع على الحدود بين العراق وايران. أما مساحة مركز المدينة نفسها، فهي تقع بشكل طولي على ضفتي النهر لمسافه 25 الى 35 كيلو متر تقريبا. بشطريها الشرقي والغربي والذي تفصل بينهما 4 جسور للسيارات و5 جسور للمشاة. من الجدير بالذكر ان الشطرة قد خطط لها منذ زمن بعيد ان تكون محافظة قائمة بذاتها مع النواحي والقرى التابعة لها لتكون المحافظة التاسعة عشر ضمن تسلسل المحافظات العراقية بـأسم محافظة (اور)،ولكن هذا المشروع لم يكتب له النجاح

 

مكانة الشطرة الاجتماعية:

العادات والتقاليد الشعبية المتوارثة لمدينة الشطرة من ريفها الى حضرها هي واحدة وهي نفس العادات العربية المعروفة من كرم الضيافة والشهامة والغيرة وحسن المعاملة.اما بالنسبة لمرجعية هؤلاء الافراد في امورهم واحكام حياتهم من زواج ومعاملات عامة الى الخلافات القضائية والعشائرية، فيرجعون بها بالدرجة الاولى الى حكومة الدولة ومن ثم الى شيوخ العشائر التي ينتمون اليها والساده العلويين في مناطق سكناهم.

 

مكانة الشطرة التاريخية:

يبدأ تاريخ الشطرة القديم مع قدوم قبائل الأكديين (والأكديون هم من القبائل التي نزحت من شمال العراق لتستوطن في الفرات الاوسط)، ومنهم اكتسبت الشطرة تسميتها القديمة (أكد).حيث دخلت ضمن دولتهم واصبحت احدى مراكز حضارتهم وتراثهم،حتى مجيء الآشوريين (وهم ايضا من قبائل الشمال )الذين ضمّوها الى باقي دويلاتهم التي اسسوا بها امبراطوريتهم المعروفة بالامبراطورية الآشورية اول امبراطورية بالتاريخ والتي امتدت حدودها من تركيا وبلاد الشام من الشمال والشمال الغربي . وبلاد فارس والخليج العربي من الجنوب والجنوب الشرقي. حيث ما زالت بعض آثار هاتين الدولتين قائمة ويرتادها الزوار والسواح من كافه مناطق.

مجتمع الشطرة من المجتمعات الجنوبية الفعّالة جدا والذي تربطه بباقي المجتمعات العراقية روابط عديدة ووثيقة في نفس الوقت. ولعل أهم هذه الروابط هو كثرة العلاقات الزوجية بين أهالي الشطرة وباقي المدن العراقية، ولا غلو ان قلنا انه لا توجد مدينة من المدن العراقية المعروفة الا ولها اقارب في الشطرة.أضافة الى توسع ثقافة الشطريين والاماكن والمناصب البارزة التي يشغلونها في المجتمع العراقي بأختلاف مدنه وخاصة العاصمة بغداد.فتجد منهم الطبيب الذي يشغل منصبا خارج مدينته الشطرة وما زالت عائلته فيها. ونفس الشيء مع المهندس والعسكري والطالب...الخ. ناهيك على ان الشطرة مدينة كبيرة وبها العديد من العشائر المعروفة وشيوخ تلك العشائر الذين يرجع اليهم العديد من ابناء عشائرهم من كافه المدن.

 

مكانة الشطرة السياسية:

تعتبر الشطرة بحكم موقعها بين وسط وجنوب العراق،من المراكز السياسية والعسكرية المهمة جدا.وكان أول من اولاها هذا الاهتمام هي الدولة العثمانية مع بداية ضمها العراق الى امبراطوريتها. فكان ان جعلت الشطرة(قائمقامية) والقائمقامية هي وحدة ادارية معتمدة في النظام الاداري العثماني. وساعد على ذلك توسع نفوذ شيوخ عشائرها (عشائر المنتفك) وسيطرتهم على مناطق واسعة من الفرات الاوسط العراقي وتغلغلهم في الحكم العثماني حيث اتاح ذلك لأهالي الشطرة وعشائرها ان تمارس الدور الكبير في الحكم العثمان،... وازداد دورها السياسي نشاطا مع وصول الاستعمار البريطاني الى جنوب العراق ومحاولته اخضاع المنطقة لسيطرته،

وخصوصا عشائر المنتفك التي لعبت دوراً مهماً في الثورة العراقية الكبرى (ثوره العشرين). حيث اصبحت الشطرة مركز لانطلاق الثوار وقيادة عمليات المقاومة وتجسد ذلك عمليا في معركة (البطنجه) الشهيرة بين الجيش البريطاني والثوار العراقيين والتي انتهت الى هزيمة القوات البريطانية وقبول الاستعمار بهدنة وبالتالي الموافقة على منح الشطرة حكم محلي.

 

مكانة الشطرة الاقتصادية:

 تقع الشطرة بمنتصف المسافة تقريبا بين الخليج العربي والعاصمة بغداد على الطريق الذي يربط بينهما، لذلك كان لها الدور الكبير في حركة النقل البري ونقل البضائع ما بين بغداد والموانئ العراقية،.. وأيضا كثرة سكان الشطرة ومساحتها الكبيرة والمناطق التابعة لها، جعلها سوق تجارية كبيرة جدا ومركز فعّال لتصريف البضائع ويشهد على ذلك حجم التبادل التجاري بينها وبين بغداد. الشيء الآخر الذي يبرز مكانة الشطرة الاقتصادية هو الصناعات الشعبية في مدينة الشطرة نفسها والتي تصدرها الى معظم محافظات العراق والمعروفة باسم ( الشطراوية) نسبة اليها. ومنها السجاد والعقال والاحذية الخفيفة والمنتجات النباتية والسمن البلدي والأسماك .

 

توليف : الدكتورعبدالرزاق محمد جعفر/ أستاذ جامعة بغداد/ من مواليد الشطرة ومدير ثانوية الزراعة فيها في سنة 1959-1960   

...................

المصدر / ويكيبيديا، الموسوعة الحرة..

 

في المثقف اليوم