شهادات ومذكرات

عن أكساكوف وعائلته في تاريخ الادب الروسي

ضياء نافعالكلمات الاساسية، التي يمكن ان نقولها – قبل كل شئ -  حول اكساكوف بالنسبة للقارئ العربي، هي انه – الكاتب الروسي شبه المنسي، او بتعبير ادق، شبه المجهول تقريبا في مصادرنا العربية بشكل عام حول الادب والفكر الروسي، والسبب الاوّل – في رأينا -  يكمن في ان أكساكوف لم يكن ضمن تلك الاسماء (الرنّانة و الطنّانة!) في دنيا الصراع الفكري الحاد في روسيا، التي ركّزت عليها الاقلام العربية (ولازالت) وهي تتناول الادب الروسي وأعلامه و الفكر الروسي ومسيرته عموما، وقد كان هذا الموقف عندنا انعكاسا للموقف السوفيتي طبعا، وأذكر اننا عندما كنّا طلبة في الاتحاد السوفيتي في ستينيات القرن الماضي، لم يأت اسم أكساكوف في مناهج دراستنا حول اللغة الروسية وآدابها سوى عند الكلام عن الكاتب غوغول، وذلك باعتباره  كان صديقا قريبا لغوغول ليس الا وانه كتب عنه كتابات قيّمة لازالت تمتلك أهميتها لحد الان .

أكساكوف يعتبر ظاهرة باكملها في مسيرة الفكر الروسي، فقد برز في عدة مجالات فكرية متنوعة وبعيدة عن بعضها البعض، وبرز ثلاثة من ابنائه بمختلف المجالات الفكرية ايضا، ولهذا فانه يتميّز عن الآخرين، اذ ان اسمه في مسيرة الفكر الروسي يرتبط بمفهوم (عائلة فكرية متكاملة)، وهي ظاهرة لم تكن موجودة قبله، ولم تتكرر بعده، ونود في هذه المقالة ان نشير – ليس الا – الى المعالم الاساسية لهذه الظاهرة الفكرية الفريدة في دنيا الادب والفكر الروسي، وان نقدّم  للقارئ العربي شيئا ما، اي تعريفا وجيزا فقط عن هذه العائلة الابداعية في القرن التاسع عشر بروسيا، اذ ان الكلام الموسع والتفصيلي عن هذه العائلة يقتضي كتابة العديد من الدراسات و المقالات عن جوانب ابداعاتها المتنوعة .

أكساكوف الاب (1791 – 1859) هو سيرغي تيموفيفتش، وهناك  عدة نقاط رئيسية يتوقف عندها مؤرخو الادب الروسي عند الكلام عن مسيرته، ومن أهمها اربع نقاط، اولها - عمله في مجال الرقابة على المطبوعات، وثانيا - علاقته بالكاتب الكبير غوغول، وثالثا - نتاجاته المتميّزة جدا في مسيرة الادب الروسي بما فيها مساهماته الواسعة بحركة الترجمة وكتابة المذكرات، ورابعا - مصائر ابنائه ودورهم في الحياة الفكرية الروسية، ونحاول في ادناه الحديث بايجاز عن كل نقطة من هذه النقاط.

حول النقطة الاولى، اي عمله في رقابة المطبوعات، يتحدثون كيف تم اخراجه من هذا العمل، وكيف نشر مقالا بتوقيع مستعار حول الرقابة، والذي أثار الاوساط الرسمية الحكومية ضده، وكيف أرادت تلك الاوساط ان تعرف اسم ذلك الكاتب، ولكن رئيس التحرير رفض الاعلان عن اسمه، أما أكساكوف نفسه، فقد أعلن انه كاتب تلك المقالة، وانه مستعد لتحمّل كل تبعاتها، مما جعل الاوساط الادبية تقف معه وتناصر موقفه وتجبر السلطات على ارجاعه لوظيفته بعدئذ .

النقطة الثانية، وهي مهمة جدا في تاريخ الادب الروسي، ترتبط بعلاقة أكساكوف مع غوغول . لقد تعارفا عام 1832 في موسكو، عندما  كان غوغول هناك بزيارة سريعة، واستمرت هذه العلاقات الفكرية طوال حياتهما (توفي غوغول عام 1852) . توجد دراسات كثيرة وتفصيلية عن هذه العلاقة في تاريخ الادب الروسي، اذ تحولت المقالات التي كتبها أكساكوف عن غوغول الى مصادر مهمة حول سيرة حياة غوغول وابداعه . لقد كتب أكساكوف عند وفاة غوغول مقالة بعنوان – (رسالة الى أصدقاء غوغول)، ثم نشر مقالة اخرى عام 1853 بعنوان – (عدة كلمات عن سيرة حياة غوغول)، وهكذا بدأت أفكاره بشأن تأليفه لكتاب كامل حوله، والذي صدر بعدئذ بعنوان – تاريخ  تعارفي مع غوغول، ويعتبر هذا الكتاب واحدا من اهم المصادر الروسية لدراسة سيرة حياة غوغول وابداعه، منذ ظهوره ولحد الان، ونحن في العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين .

النقطة الثالثة تكمن في مؤلفاته المتنوعة جدا، اذ أصدر أكساكوف عدة كتب في مجالات متنوعة جدا، منها مثلا، كتاب بعنوان – (عن صيد الاسماك وعن الصيد)، وهو كتاب فريد في تاريخ الادب الروسي يتضمن صورا قلمية مدهشة، وقد قال عنها تورغينيف (وهو مؤلف مذكرات صياد!)، انها مبتكرة جدا في تاريخ الادب الروسي ولا مثيل لها سابقا، اضافة الى ان النقاد يعتبرونه واحدا من أبرز الادباء الروس في مجال كتابة المذكرات .

النقطة الرابعة، التي نود التوقف عندها قليلا هي عائلته الكبيرة، اذ كان عنده سبع بنات واربعة اولاد، وبرز منهم ابنه قنسطنطين أكساكوف، الذي أصبح أديبا ومؤرخا ولغويّا وأحد أبرز الدعاة الى النزعة السلافية ومنظّريها في صراعها مع النزعة الغربية، وهو الصراع الفكري الكبير، الذي كان محتدما في الادب والفكر الروسي في القرن التاسع عشر (انظر عن هذه الظاهرة مقالاتنا عن دستويفسكي وأستروفسكي وتورغينيف..)، وبرز كذلك ابنه الآخر ايفان أكساكوف، الذي أصبح صحافيا وناشرا وكذلك أحد الدعاة الى النزعة السلافية، وبرزت كذلك ابنته فيرا أكساكوفا، التي أصبحت كاتبة مذكرات وواحدة من أبرز أنصار النزعة السلافية .

وباختصار شديد، فان كل نقطة من تلك النقاط التي أشرنا اليها حول أكساكوف تتطلب مقالات تحليلية وتفصيلية بالنسبة للقارئ العربي، وأتمنى ان تسمح لي ظروفي بالعودة الى هذا الموضوع المهم في تاريخ الادب الروسي ...

 

أ. د. ضياء نافع

 

في المثقف اليوم