نصوص أدبية

لعبة كل يوم

.. لهث.. ولهث وخار فجأة، أعطاني ظهرة وهمس أمراً:

- إطفئ النور!!

يعرف كم تقلقني العتمة، وتسحب مني النوم، لم أكترث وانشغلت بمسح عرقه ونزع بقايا شعيرات ما زالت مغروسة فيَّ.. جأر ودفن رأسه في الوسادة:

- قلت إطفئ النور!!

هل غرق في بحر هزيمته، وتركني اغرق في بحر فشلي؟!!.. قالت لي أمي يوما:

- لا تحلمي كثيراً فنحن فقراء نبحث عن الستر والغيلان كثيرة!!

كانت أمي وما زالت جميلة، رفضت أولاد أعمام وأخوالها، وصدت أولاد الجيران، لأنها تعرف مواطن ضعفهم.. وكانت جدتي تكتم خوفها وتحذرها:

كلنا ضعفاء والكمال لله.

ورضيت بأبي الذي لم يتميز عنهم بشئ، فبل أن يغادر القطار محطتها.. هل كان ذلك سبب خوفها عليَّ من أحلامي، ويوم جاء يطلب يدي، سألتني:

- ما الذي فيه أفضل من غيره؟

- يحبني، وهذا يكفيني!!

قرصتني من خدي الذي كان مثل كرزة تنتظر القطاف.. وأخذتني إلى حضنها ضاحكة:

- يحبكِ ام يشتهيكِ؟!

- الاشتهاء ذروة الحب!!

كانت أمي تصاب بالذعر كلما ضبطتني امارس الرقص بين المرايا في الحمام، هي لا تدري أنني امارس لذة عجيبة، وأعيش خدرا لذيذا.. أشاكس صورتي، انظر نحوها بعيون المشتهين المنبهرين بي.. أتذكر كل نظرة رمقتني، وكل شهقة، لحقت بي عندما يطير الهواء ذيل فستاني القصير قليلا فوق الركبتين، يصيبني ومض شرر العيون بخدر سحري غريب.. لم اخبر أمي أن شهقاته هي من جذبني إليه، ولم اخبرها أنه لم يعد للشهيق بعد أن دخلت القفص، ولم تعد فساتيني القصيرة تغريه، وأن جلدي لم يعد جلدي وكأن طلاءً يحجبه عن عيون الآخرين..

اليوم نهضت مع صياح ديك الفجر، بينما هو غارق في نوم أبله، شعيرات شاربه مهدولة تغطي شفتيه.. خيل إليَّ فمه مثل كهف ترتع فيه السحالي والجرذان وديدان الأرض اللزجة، وخرج في الليل لتغطي جلدي بلعاب سرعان ما يحف ويصبح طبقة سمع مسموم يصبني في قالب ويحولني إلى امرأة غيري..

دخلت الحمام تحت الماء الساخن دعكت حسدي بليفة خشنة،وقشرت ما تراكم عليه من ركامات لهاص علقت بي..تقشر جلدي وعاد لإلى ألقه الأول.. هتفت عاليا:

- يا إلهي كم أشبهني!!

بخار الماء يعبق في الحمام يغطي سطوح المرايا، يحجب الصور، فتحت النافذة فتسلل البخار نحو الفجر، ومسحت بقاياه عن سطح المرايا وعدت ألى اللعب بين مرآتين، صرنا ثلاثة وجهي وظهري وأنا.. أين أنا.. أشرت إلى الوجه الذي يطل في المرآة أمامي، ضحك ورشقني بقبلة لعوب تفاديتها فانطبعت على ظهري في المرآة المقابلة.. استعذبت اللعبة وأخذت أطير القبل في جميع الزوايا وأخذت القبل تنطبع على جسدي في المرآة المقابلة، حتى غطتني القبل.. لم امسحها وطرت الى الغرفة  فراشة أتدثر بعباءة من قبل..

كان يجلس في الفراش يمص سيجارته.. ينفث الدخان ثعابين تتشابك في قضاء الحجرة مثل سحابة من شياطين.. لهث.. شهق.. انتصب شاربه، وجأر:

-     تعالي..

 

بقلم: هيام طه

فلسطين - حيفا

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1323 السبت 20/02/2010)

 

 

 

في نصوص اليوم