نصوص أدبية

لماذا لا نصبح أكثر سعادة؟ أقصوصة مشاغبة...

اخترعت لهم جهاز سونار يكشف لهم تجمعات السمك من بعيد ويكفيهم عناء الدوران في الخليج والبحث الطويل وخيبات الأمل.

إشترت الشركة الجهاز ونصبته في إحدى سفنها للتجربة، واكتشفوا أن السفينة المجهزة بالسونار تستطيع أن تقوم بعمل عشرة سفن اعتيادية! فأمل الصيادون بصيد أوفر وبيوم عمل أقصر وأجر أفضل ... لكن ما الذي حدث فعلاً؟

 

لأن الخليج محدود الموارد، كأي جزء من الأرض، فأنك لا تستطيع أن تأخذ منه أكثر مما يعطيه لك، دون أن تدمره، قررت الشركة الإكتفاء بسفينة واحدة مجهزة بالسونار والإستغناء عن بقية أسطول الصيد،.....مع صياديه!

صدم البحارة وأدركوا متأخرين الكارثة التي ستحل بهم، ولم يجدوا لها حلاً. فـ "إختراع البشرية" هذا لم يكن لهم! وبعد أن امتصوا الصدمة المرة، بدأ البعض بالحديث عمن سيكون عمال السفينة المحظوظة التي ستبقى تعمل. وعزى البعض منهم نفسه بفكرة أن هؤلاء لن يحتفظوا بعملهم فقط، وإنما ستزداد أجورهم لأن أرباح الشركة ستقفز كثيراً.

تنافس الصيادون فيما بينهم، وكل يريد الإحتفاظ بعمله ومصدر عيشه، وربما الحصول على الأجر الأعلى، وكادت تحدث معركة بينهم. تدخل صاحب الشركة وأخبرهم أنه وجد حلاً مناسباً، وأنه سيختار من بين الجميع، عمال السفينة المحظوظة.

 

كان صاحب الشركة يدرك أنه في موقف قوي، وله أن يختار واحداً من كل عشرة من عمال البحر الذين كانوا يتنافسون لنيل رضاه. لم يكن سيء الخلق، وكان يشعر بالألم في داخله لكنه كان يعلم أيضاً أن قانون الشركات ومصلحة أصحاب الأسهم لا يسمحان بأي تساهل.

قال لهم: "بودي أن أساعدكم، لكن الشركات الأخرى ستشتري الجهاز أيضاً، وعلينا أن نبقى في المنافسة."

وقال لهم :"سيبقى في العمل من يناسب الشركة أكثر من غيره، وسيقبل دون تمييز في العرق أو اللون أو الدين" !

صمت قليلاً ثم قال: "ومن يناسب الشركة أكثر من غيره، من يعمل أكثر من غيره، ويكلف الشركة أقل من غيره"

وقال: "لذلك قررنا خفض الأجور قليلاً...من أجل المنافسة، كما تعلمون، وستكون هناك ساعات عمل إضافية غير مدفوعة الأجر"

"من يقبل الأجر الجديد، ولديه القدرة والإستعداد للعمل ساعات إضافية دون أجور، فليتفضل بمقابلتي، وليذهب الباقون، اتمنى لهم التوفيق في إيجاد عمل آخر". ثم دخل غرفته.

 

صدم البحارة، ولعن بعضهم جشع هذا الرجل الشرير، لكن أحدهم قال أن أصحاب شركات الصيد الأخرى طردوا عمالهم أيضاً، وليست المسألة أن الرجل شرير أو أنه أكثر جشعاً من غيره. وسألهم: "لو كنتم مكانه ما كنتم ستفعلون؟ هل ستشغلون عشرين وأنتم قادرين على الإكتفاء بعشرة؟"

صاح واحد: "لا ولكن على الأقل كنت سأدفع لهم أجوراً أكثر، مادام ربحي قد ازداد!"

فأجاب الأول: "من منكم سيشغل عاملاً بمئة دينار، حين يجد من لديه استعداد ليعمل بخمسين؟"

 

رد البعض بالصراخ وقال أحدهم للمتحدث بأنه يحاول تبرير السرقة، وأجابه هذا بأن عليه ان يحفظ لسانه وإلا قطعه له، وأنه مثله قد خسر عمله. بعد دقائق عم الصمت، وقد أدرك كل منهم أن لا فائدة من العراك، وأنهم جميعاً ضحايا....ضحايا لشيء ما، لخطأ ما، لا يعرفه أحد ولا يستطيع أحد تفسيره.

 

تفرق الصيادون جماعات وهم يتجهون للخروج، وقال احدهم لصاحبه عند بوابة الشركة وهو يحاول أن يداري إحباطه بابتسامة مرارة واضحة: " يا لحماقتنا وأحلامنا الساذجة! حين فرحنا بـ "إنجاز البشرية" وتصورنا إننا سننعم بأجر أفضل وعطلة أطول! في المرة القادمة سأصاب بالرعب عندما أسمع بـ "إنجاز" بشري... إنه إنجاز شرير!

بعد صمت طويل، أجابه الثاني: "ليس الإختراع شريراً يا صاحبي، ولاصاحب الشركة شرير...وأحلامنا لم تكن غير معقولة. ما يحيرني هو: أين المشكلة إذن؟...كيف تحول إنجاز البشرية هذا إلى سرور للسيد الكبير وحده وأذى لنا جميعاً؟ كيف نشر هذا الإختراع الألم بين الناس أكثر مما نشر السعادة؟ هل من أجل هذا تجهد البشرية نفسها لتتطور؟ هل يجب أن تتوقف البشرية عن الإختراعات؟ إنني أشعر بالحزن الشديد والغضب.!!..أود لو عرفت فقط أين المشكلة...أين المشكلة؟! "..

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1330 السبت 27/02/2010)

 

 

في نصوص اليوم