نصوص أدبية

الوردة والسّيف..

فأرسل طرفي نحوه كلّما مررت من تلك النواحي...والسّر في تميّز هذا الرّكن ورود تملأ فضاءه وتحوّله إلى إطار لمشهد حيّ يعجز القلم عن وصفه وإنّه لقدير؟!...

ركن يموج باللّون الأصفر والوردي...يسبح في النور والظلال وتعبق منه أنفاس الورد يغمرني بأجوائه ويُحيلني على الحلم والذكرى.. تراءى له وجهها بين الورود مشرقا يانعا تعرف فيه نضرة النعيم..كان اسمها وردة...وهي كذلك رقّة وبشاشة وجمالا...وكانت وحيدة والدها بعد أن ماتت والدتها الأجنبية إثر حادث سير...تزوّجت رجل أعمال مهاجر ولأنه كان مدن خمر وقمار لم يُحسنْ عشرتها التي لم تطل معه وأنجبت منه ولدين قبل أن يفترقا ويذهب كلّ في سبيله.. ونذرت حياتها لأبنائها...مشهد الوردة المقطوفة فوق الطاولة والسّيف  المعلق على الجدار ذكّره بمصير "روز" واختزل قصّتها المريرة وأحاله على رواية :" الجميلة والوحش"( مع الفارق بين دلالة العنوان وارتباطه بمضمون الرواية ودلالته في القصة) جميلة إسمها "وردة" ووحش لا يرحم إسمه "الزمن"... ألم يشبّهوا المرأة الجميلة بالوردة.. والوقت بالسيف البتّار إن لم تقطعه...

رآها منذ شهر فوجد صعوبة في التعرّف عليها – بل قل وجد ألما في أن يصدّق أنها هي- لأن صورتها المتوهّجة التي حفرت في داخله عبر الأيام أبت أن تنطبق على ما رأى... فقد ذوت وردة وذبلت بعد أن تهاوى ربيع كان مزهرا بوجهها وانطفأ البريق الذي كان بعينيها وغارت تلك النضارة التي كانت تكسوها وتمنحها توهّجا وحسنا يأسر القلب ويسبي العين...

لم يتمالك أن يقول : يا لهول صنيعك أيّها الزمن حينما تحوّل النجم إلى.. تُراب!؟... عادت به الذاكرة إلى صورة لها أثيرة لديه...عندما قدمت لزيارة صديقة لها هي قريبته.. وكان نورها على الكرسيّ ورائحتها الطيّبة تملأ الغرفة...عندها وجد في خاطره أغنية لوردكاش التي ارتبطت لديه بها ارتباط الإسم بمعناه...

آمنت بالله

نور جمالك آية

آية من الله

نور جمالك للسقيم

 لو رآه يصبح سليم

ويعود في جنّات النعيم

 

..تخيّل وردة يانعة صقيلة الأوراق بديعة اللون تكللها قطرات الندى.. وقد انتصبت على ساقها.. فيأتي أحدهم ماسكا سيفا بقبضة من حديد فيرفعه و..يهوي به على الوردة قاطعا ساقها.. باترا صلتها بالأرض ونسغ الحياة فيها.. بضربة قويّة من شفرة حادّة في سيف صقيل.. فترتفع وتعلو وتتناثر قطرات الندى عن أوراقها وتدور دورات في الهواء قبل أن تهوي على الأرض ويتعفر خدّها بالتراب وقد جُعل ليلثمه النسيم العليل ويتضوّع ريحه في الهواء فيعطّره..!؟..

إنه الحُسن الذي يستقبل شفرة السيف عاريا برقبته الرّقيقة.. فلا هو يملك ردّها ولا القبضة المتحكّمة بالسيف تدرك أنه آخر أسلحة الشجعان.. أوّل أسلحة الجبناء!؟...

البعد الثالث.. أو العمق من أهم مكتشفات الرسّام الكبير بيكاسو الذي اشتهر بتكعيبيّته التجريديّة...فلو سألناه: افترض صلة مّا بين الوردة والسّيف وعبّر عنها رسما...لعلّه كان سيرسم قطرة دم قانية تتوسع وتتوسّع وتنتشر لتغطّي جميع اللّوحة.. وساعتها تخرج من عمق اللوحة أشجار خضراء خضراء.. داكنة الخضرة رائعة الجمال فتعلو وتعلو وتغطّي اللوحة..

الدم : جرم الإنسان المشهود.. الأشجار: خيريّة الحياة وأملها...واللّوحة: فصول من الرّحلة الدامية وآلام الطريق ومعاني الوجود...فأين توقيعك يا...بيكاسو؟!

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1342 الجمعة 12/03/2010)

 

 

في نصوص اليوم