نصوص أدبية

والآن ... ماذا بعد...؟

و اِنطفاء النّجوم

و أفول الأيّام

تحت هتك المقدّس

و سفور المحظور

والرّأس تدور ... تدور ...

وتترنّح من ضمور العقول

وجبروت اِعتلال الأحلام

***

الآن ...

أنا محموم ... محموم ...

ألا تدثّروني ...؟

ألا تزمّلوني ...؟

!دثّروني ... زمّلوني ...

لئلاّ أطوّح في ملكوت مهجور

لا منظور ...

لا مسكون

بالهواجس والهلوسات والهوس

معمور

- ألم أبعكم النّهار بالعتمة ؟

- ألم أفرّط في الأمل بالألم ؟

فماذا تريدون ... أكثر...؟

أما سرّكم هواني

من دون الورى ؟

أما همّكم ضيعتي

في قومي ؟

وقرّي في هجيري

واِحتراقي في حسومي

***

الآن ...

أنا ... مكدور ... مكدور ...

!ألا ليت قومي يعرفون ... ؟

ما بي ممّا يضنّون

إنّما هي عثرة زماني

إنّما هي كبوة أديمي

وحضور الغيبة

وغيبة الحضور

***

الآن ...

أنا ...مشدوه ... مشدوه ...

أما قلت لكم :

_ ها ؤ م اِقرؤوا صحائفي

تصفّحوا رقّي المنشور

ولكنّكم خيّرتم تجريم حركاتي ...

وسكناتي...

و أ ... ح ... ل... ا ... م ... ي ...

وعنّ لكم تفضيل العييّ على الكامل ...؟

و تحطيم الصّواري

و تمزيق شراعاتي

وإغراق مراكبي

في الأيّام النّحسات

و الأرياح العواتي

***

والآن ...

أنا ... مغدور ... مغدور ...

تحتسون قهوتي

تدخّنون سجائري

صبحا

تشربون شايي المطعّم بالنّعناع

عشيّا

وتركتموني ظمآنا ...

ظامئا ...

ألوب ...

أتجرّع عطاشي ...

أجرع شوبي ...

أجترّ في سنواتي العجاف

وسنيّ الجفاف

علقم السّراب

***

الآن ...

أنا ... محزون ... محزون ...

!ألم أُقتل أبشع قتلة ؟

!ألم تهدر حياتي أشنع هدر ؟

!! _ أوّاه ... قلبي ...

وأوحوا ... وصرّحوا ...

!_ عش عيشة المسخ...

عيشة خدعة – الزّيف المبهرج  

أو تنحّ ... فأنت لست منّا ...

***

والآن ...

أنا ... مخمور ... مخمور ...

بنبيذ مزاجه من شكّ ويقين

سألت العرّافين

عن سرّ هذه الملهاة 

ناشدت العارفين

عن مغزى هذه المأساة

فقالوا :

!_ هي الحياة ...

خذها كما جاءت

وإلاّ فعليك السّلام

لا غنى لك من الحضور

!أو فأنت في غيبوبة الغياب ...؟

ودونك ودون الصّحو

خنادق ...

وحيطان ...

وجدران ...

***

والآن ...

أنا ... مهووس ... مهووس ...

لا أرى سوى كوابيس ...

وكوابيس ...

من أمام ووراء

لا أحسّ غير هلوسة ...

وهلوسة ...

عن يمين ويسار

كلّ الرّؤى أستقطبها

في يقظة وسِنة

و رؤاي الآخرة

لا شموس ...؟

لا أقمار ...؟

أراني أحمل الكون ...

!ولا يتحمّلني ...

***

والآن ...

أنا ... مغموط  ... مغموط ...

هؤلاء قومي رضوا بظاهر من الأحوال

وظنّوه اليقين

هلاّ علموا أنّ وراء كلّ ظاهرة

علّة لا متناهية – سرمديّة 

واِستكانوا لظلال عيش

و قدّروها الحياة

هلاّ تدبّروا أن وراء كلّ حقيقة

حقيقة أزليّة – أبديّة

ألا ليت قومي يدركون

!أليس فيهم من رشيد ...؟

!أم هل يثوبون ...؟

!أَو لعلّي باخع نفسي  ... على آثارهم ؟

!أأتركهم في كلّ وادي

يهيمون؟

بل ما ضرّ لو تركوني

!ألا يا قومي دعوني ...

فدعوني ... دعوني ...

وعليكم سلامي

***

الآن ...

أنا ... مسطول ... مسطول ...

من فرط ما أصابني

من شطح ودوران

على سطح الأرض ...

وفي أقطار السّماوات ...

ومن سبح طويل

في أعماق البحور ...

وفي عوالم الخيال ...

فما وجدت من سرير يؤويني

غير سرير سدر...

وهشيم ...

وحسك ... 

وما لي من لحاف يدثّرني

غير لحاف اِحتياري وخسراني

***

الآن ...

أنا ... مأفون ... مأفون ...

في ريب من نفسي

أصبحت

في ريبة من محتكري – الحياة  ...؟

صرت

لا أدري أقريب من الموت أنا

!أم من الحياة ...؟

أكاد أشكّ في المسلّمات – البديهيات

بل لعلّها اِستحالت

!إشكالات – مربكات ...؟

فما فتئ الجواب يولّد تساؤلات ؟

فيا ويلي إن اِستكنت للسّفسطات

تليها الهرطقات – المرهقات

ويا ويلهم من ضيعة  اللاّمبالاة

لعمري ... بتّ في خضمّ الجهالات

أ أنا الحيّ في الأموات

!أم ميّت في الأحياء... ؟  

أفلا تحلّون لي هذه الطّلاسم المؤرقة –

ا ... ل ... م ... ل ... ح ... ا ... ح ... ة ...

***

الآن ...

أنا ... مهموم ... مهموم ...

أمتطي صهوة براق التّخيل

وأعرج للسّماوات العلى

فكيف تمارونني على ما أرى

هنالك رأيت سدرة الرّؤى

ألم تروا أنّ الحياة – الدّنيا

حيزبون بغاء

ضليعة في فنون المراودة

و المخادعة والإغراء

تسلب المرء لبّه حتّى

وتتركه مدبرة

ل ... ل ... ض ... ض ... ي ... ا  ... ع ...

يقلّب كفّيه حسرة على ما أسرف

س ... د ... ى ...

تقبل في أمواج – سراب هادرة

وتفرّ في خطفة – مَوْتَة

وتمجّ الغرّ مجّ نُسغ الحنظل

على سواحلها المهجورة

ل ... ل ... ض ... ض ... ل ... ا ... ل ...

يعتصره وجع الاِندحار

***

الآن ...

أنا ... كسير ... كسير ...

أكتب سيرة – وجود

دو ن بداية ... دون نهاية ...

لا وزن لها ... لا ميزان ...

لا طعم لها  ...لا ألوان ...

إلاّ أطياف ... وأشباح ... الاِنكسار

تتداعى بي بين جحيم ...وجحيم ...

تتقاذفني بين ظلمات كواكب ...

و عتمات مجرّات 

وما لي شراعات أساطير...

ولا جوانح أملاك ...

غير رؤى عاتيات

***

الآن ...

أنا ... أسير  ... أسير ...

تساؤلاتي :

– من هجّر البشر

على قوارب الاِنتحار

وحرّق النّجم والشّجر

من شرّد الطّير

وعبّد الأحرار

من مزّق السّتر

وأباد الأزهار

من علّق الدّساتير

ومحا السّطور

من عكّر وجنة الغدير

و صفو الأبحر

من أخمد الشّعلة من عيون الحبور

وأجّج الجحيم كالزّبانية ...

ليلا نهار

من ... ؟ من ... ؟ من ... ؟

من طارد الأحياء حتّى القبر ؟

وأطفأ شعاع الضّياء والنّور

وجفّف منابع وينابيع الاِستنارة

لن أهادنك أيّتها الدّنيا

لن ألين ... ولن أطبّع ...

!لن أُدجّن ... ولن أسير إثر القطيع ... 

***

الآن ...

أنا ... حبيس ... حبيس ...

في أقطار الأرضين

محظور عليّ أن أمدّ العينين

لأقطار السّماوات ...؟

يا اللّيل أين النّهار

هل اِنفجر

يا النّّهار أين اللّيل

هل اِندثر

يا الفجر أين ذيّاك الفكر

هل كوّر أم اِزدجر ...؟؟

أم تهافتت عليه آفات المكر...؟؟

 وأصبح بعد عين أثرا

و طمس بعد أن كان شعلة – سراج

وهّاجا

يوقد من زيت زيتونة

لا شرقية – لا غربية

لا شمالية – لا جنوبية

فأين الزيتونة... وأين زيتها ...

وأين الضّياء وأين شعاعها ...؟

ذاك الّذي يملأ رحاب الملكوت

!وأين ذيّاك الإشراق ...؟

***

الآن ...

أنا ... هيمان ... هيمان ...

فذروني ... ذروني ...

مع من خلقني

وحيدا ... وحيدا ...

في حضرة عارف العارفين

كيف بي وقد اِخترقت الحجب

من وراء الحجب

وتكشّف لي ما بعدها

عوالم ... وعوالم أخرى ...

فأجدني مأخوذا باِحتساء خمور

صحوة العرفان

في اِنتشاء الحضور أحلّق ... وأطير ...

وأنا ... مستنير ... مستنير ...

على بوّابات البهاء ... وخلود الوجود

أرى ما وراء الرّؤى

تتهافت شباك الشّبكات العنكبوتيّة وشباكها

وتتهافت ...؟

فدعوني ... ولا تقولوا:

– ها هو ذا ... في كلّ واد يهيم ... ووهد ...

وعبر المحيطات يلجّ ...ويمرق في الفضاء...

كيف بهم ... لو اِنسلّوا من أَلْجِمَة السّكوت

وتحلّلوا من غوْل الرّهبوت

لو نكثوا خيوط العنكبوت

و إنسرحوا يفضّون أختام

أسراب الوهم

وأقفال العشاء يكسّرونها

و الرّتاجات يستفتحونها...

وذاقوا سَلْسَالَ الاِستفاقة

من معين الرّوح

ماذا لو ... يا ترى ...؟

ما ضرّ لو جرّبوا الحضور

من أطلال الغياب

واَقتحموا أسوار ...

وجدران عوالم

ا ... ل ...خ ... و... ا ... ء ...  

ماذا لو نهلوا من نشوة

إشراق –

ا ... ل ... ف ... ن ... ا ... ء ...

في السّرمد ...

ونظروا هل تمّحي أيّام

ا... ل ... ت ... ت ... ش ...ظ... ظ ... ي ...

و ...

ا ... ل... إ ... غ ... ت ... ر ... ا ...ب ...

***

الآن ...

أنا ... متحيّر ... متحيّر ...

بعد مضيّ العمر...

أدركت أنّني ضللت الدّنيا

وأضلّتني ...

خانتني ... وخنتها ...

ولكنّني أعلم

الآن ...

أننّي أصبت الحياة

اليقين

الجوهر

ومتى أغنى العرض

عن الجوهر

حيث ثمّة إن مسّتك جحيم

الضّرّاء

أسعفك نعيم

السّرّاء

مهما طال الدّهر

وغمر الطّمي التّبر

مهما قدّر لنا مكابدة

طمس المعالم والأثر

و وأد الفكر

***

 والآن ...

ماذا بعد ...

ماذا عساي أقول أكثر... ؟

تنتهي  القصيدة

ولا ينتهي الكلام

لا تنتهي المعاني

و الدّلالات ...

ويمضي المنشد

في شجونه ...

و تصوّراته ...

و الجو ق من ورائه

يردّد ...

و ي ... ر ... د ... د ... د ...

***

الآن ...

أنا ... أرتقب ... وأرتقب ...

يا ليت قومي ... يعلمون ...

!... لو لا الأوان يفوت

ونبقى ملومين ...

مدحورين ...

نقلّب الأكفّ

والأبصار

كالمقموحين

على ما فرّطنا

فمتى نحلّ عقدة وجودنا

!وكيف ...؟؟

!والآن ... ماذا بعد ...؟

 

الحبيب الشّطّي / مساكن – تونس

02 / 03 / 2010

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1360 الاربعاء 31/03/2010)

 

 

في نصوص اليوم