نصوص أدبية

رعب

لمّا كان شمعون وعشيقته راشيل اصغر الزوار سنا، وأكثرهم تماسكا، فقد قاما معا بإغلاق باب المعبد العتيق بعد إلغاء إمكانية خروجهما الي الشارع واندساسهما بين العابرين.

ــ من الحماقة أن نغامر، فملامحنا الأروبية ستمكن من تمييزنا بسهولة من بين السكان المحليين. هكذا أعلنت راشيل.

 

جزع راشيل صرفها تماما عن التفكير في مصير ولدها بنيامين الذي غادرهما منذ اكثر من ساعتين رفقة حفيدة الحاخام لإاقتناء عصا بيزبول من محلّ تجاري يقع في أقصى الجزيرة.

لمّا كانت خطوط الهاتف معطلة بعد عاصفة أمس، لم يتمكن الحاخام المسن من الاتصال بالسلطات التونسية لتبين حقيقة الأمر، اكتفى بترتيل فقرات من التلمود وزرع الأمل في الجمع المرعوب.

 

تضاعف رعب شمعون حين تذكر الطريقة المروّعة التى انتهت بها حياة رئيس الوزراء العراقي نورى السّعيد، وكيف تقاسمت الجماهير الغاضبة جثته بعد سحلها في الطريق. زفر بيأس، صك جبهته بكفه ثم صاح:

ـ سنذهب في الأرجل يا راشيل، بحق السّماء كيف أقدمنا على زيارة تونس ودماء الفلسطينيين لم تجف بعد؟!

 

بيد مرتجفة، أمسك بيد راشيل، ثم صعدا الي الطابق العـلوي عبر سلم خشبي ضيق...

بحذر شديد، فرّج شمعون قليلا ما بين دفتي النافذة التي تطلّ على الشارع الرئيسي... بدت لهما الجماهير القادمة وهي تلوّح برايات يختلط فيها اللون الأزرق باللون الأبيض. "هذه أول نذر الشرّ" هكذا فكر شمعون قبل أن تعلق راشيل وهي تضغط على يديه المرتعشتين:

ــ لا بد أن إجتياح المكان سيسبق بحرق أعلامنا.

فجأة شاهدا معا رجليّ أمن وهما يعبران الطريق بتثاقل، حين وصلا الي زاوية المعبد توقفا ثم شرعا في تبادل أطراف الحديث، وكأنّ الأمر لا يعنيهما... هدوء الشرطيين ضاعف رعب شمعون وراشيل كما زرع في رأسيهما فكرة التواطىء مع القتلة الزاحفين.

مع اقتراب الجماهير التي أصبحت على مرمى حجر من مدخل المعبد، تحوّل الهدير المبهم الي شعارات واضحة لم يميزا منها غير كلمات الفداء، والرّوح، والدم.

أجهش شمعون بالبكاء. أعلن بنبرة يائسة:

ـــ قضي الأمر يا راشيل، ستسيل دماء وتزهق أرواح وسنكون أكباش ....

قبل ان يتم كلامه سمعا طرقات مجنونة تهز باب المعبد، تلاها ارتطام ألوح زجاجية بالأرض:

ـــ انهم يقتحمون... كان ذلك آخر كلمات راشيل قبل أن تتهاوى كجذع شجرة مقطوع.

 

همّ شمعون بإسعاف راشيل، حين أخرجه دويّ انفجار عنيف عن دائرة الوعي...

حين أفاق شمعون من غيبوبته، وجد سيّدتين تحاولان إنعاشه، كانت راشيل إحداهما.. بعد قليل دخل الفتى بنيامين متهللا:

لم يصدق شمعون أن التسونامي التونسي قد مرّ بسلام. تســـاءل بصوت واهن :

ــ مالذي حدث بحق جميع القدّيسين ؟

ضحك بنيامين ثم أجاب:

ــ لقد كانت مهزلة حقيقية

ثم وهو يضيف مبتهجا:

سنضحك لها ما عشنا.

ــ مالذي تعنيه؟

ــ كانت مجرد مسيرة احتفالية!

ــ هل تعني أن التفجير الذي افقدني الوعي لم يكن سوى ألعاب نارية؟

أغرق الفتى بنيامين في الضحك ثم قال:

ــ أجل!

ــ ...!

ـــ كما ان ما تعرّض له باب المعبد من قرع عنيف أفقد وعي والدتي كان بسببي أنا!

كان شمعون يستمع بذهول حين استمر بنيامين موضحا :

ــ حين قصدت المدينة، كنت أعتزم شراء عصا بيزبول واحدة، فلما فوجئت بالتخفيض الشديد اقتنيت اثنتين...بعد تسديد ثمنهما، بقي في جيبي نصف ما طلبه سائق التاكسي حين وضعني أمام المعبد. رجوت السائق انتظاري لجلب بقية المبلغ المطلوب، وحين وجدت الباب مغلقا طار صوابي بعد دقي الجرس لما يقارب نصف دقيقة.. في نهاية الأمر لجأت الي قرع الباب بعصا البيزبول

ــ وهل كنت مضطرا إلى تحطيم ألواح الزجاج الملون التي تؤطر الباب؟

ــ نعم، كي أتمكن من إدخال يدي عبر الفجوة التي أحدثتها لفتح الباب بنفسي... آسف، لم يكن الأمر يتطلب أي رويّة أو انتظار، لقد كان عداد التاكسي شغالا !

تعجب شمعون من تضافر الإتفاقات التي خلقت سيناريو يعجز هيتشكوك نفسه عن تصوّره. تساءل:

ــ ما بقي غامضا بالنسبة لي، هو عـلاقة أعلام إسرائيل بمسيرة احتفالية؟

ضحك بنيامين طويلا ثم قال:

ــ لم تكن تلك "الأعلام الإسرائيلية" سوى أعلام تطابقت ألوانها وخطوطها... ولسوء الحظ، مع علم بلدنا !

ـــ لم أفهم

هرش بنيامين قفاه ثم أضاف مبتهجا:

ـــ كل ما في الأمر، أن جماهير جربة قد خرجت بكل تلقائية، لتحتفل على طريقتها الخاصة بصعود فريق المكان من القسم الثاني إلى الدوري الممتاز لكرة القدم!

أوسلو 2جوان 2009

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1392 الاثنين 03/05/2010)

 

 

 

في نصوص اليوم