نصوص أدبية

آسية، ومدينة الصدر!

- لااااااا، أرجوكم لا تقتلوها، يمكن عندها زوج وأطفال ينتظرونها زيكم، خلوها تروح في سبيلها، اتركوها اطير عشان ترجع لبيتها، مسكينة، خلاص وخروا عنها..

كانت صرختها عفوية، وحنونة، والتي خرجت من حنجرتها المبحوحة كحلوى طرية..

 لم تؤذ أحدا، فسرعان ما تذوقت الجرادة من حلاوتها حتى طاب خاطرها المعكر بالغبار،والملل، ثم غادرت إلى بيتها الجائع، وهي آمنة مطمئنة، وفي فمها فتات الإحسان الجميل..

 

كنت أقرأ في قسمات وجه أختي، وهي تذب عن دم الجرادة المسفوك: لهفة أم تنتظر عودة أبنها الغائب، أو ابتسامة بريئة قد خرجت للتو من قماط وليد، دلكه الزيت بأصابع أمه الدافئة..

 

انتظرت أن ترف برمشها نحوي لنكمل حديثنا الطويل، عن معافسة الأزواج، والأولاد، عن أحاديث الجيران، وخلطة الحناء، عن طريقة كعكة التمر اللذيذة، عن بنات القرية، وأغاني الأجداد..

 

لكن الجراد المحظوظ، قطع علينا كل ذلك، وبقينا نرف برمشينا مذهولتين من طيبتنا الحاذقة أمام وحوش الإنسانية والكرامة..

 

 كان الجراد على ما يبدو هو الرابح الوحيد في المعركة، ذلك بعد أن سقطت المآذن، وانكفأت في حداد عميق.. متنفسة دخان الحروق الطازجة..

 

كانت عبثا تطفئ من لهيبها: بِركة ابتلاءات الله  الملونة بدموع ودماء العراقيين، وهي تنحصر بين رصيفين منخفضين!

 

كل المحاولات فشلت، حتى بكاء آسية لم ينفع، فقد كان متأخرا،

حين تفسخت العورات العفيفة،عن لحوم بشر لم يعرفوا سوى الكدح، وعصر أطراف ثيابهم المتسخة، والصياح منذ الصباح الباكر،  في شوارع  المدينة الضيقة،  في سوق مريدي، وسوق الأخشاب، وسوق الطيور الغابرة!

 

 .................

* كتبت هذه الخاطرة إثر تفجيرات مدينة الصدر الأخيرة

  

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1056  السبت 23/05/2009)

في نصوص اليوم