نصوص أدبية

الخميرة!

 شدت وثاق حجابها الأبيض، ربطته خلف رأسها المتدلي كعنقود ذابل.. شبكت أصابعها خلف ظهرها المحدودب كإبريق كلام! ومضت كعمياء تحفظ طريق العودة عن ظهر خيبة حتى اصطدمت بعامود إنارة مشوه بملصقات عفا عليها الدهر: سيارات مستعملة، مدرسين خصوصيين، حاضنات أطفال.. رفعت من بصرها قليلا، من بعيد رمقت لوحة إعلان كبيرة قريبة من بوابة الجامعة، تتسوطها سيدة خمسينية حلقت حاجبيها ورسمت مكانهما خطين رقيقين، تبتسم ببلادة في وجه الأضواء، تلمع من شعرها المصبوغ بلون السكر، مبطنة ابتسامتها العريضة، تبصق ملح عروبتها من تحت أضراسها المبيَّضة بمعجون صهيوني، ملتهمة لحم حمامة بائتة، ملوِّنة من صوتها الذي يشبه نشارة الخشب: صوتا يابسا تلونه بتلويحة باردة من يديها المعرَّقة، تمدها بغصن مليء بالشوك وكأنها نبي يلبس ثوب شيطان: أتحدى النَّكسة، عجوز النَّقب، انتفاضة الحجر.. ارفعي هويتك الوطنية، جوازك الأردني، وثيقتك المؤقتة، بطاقة الأنوروا، صك منزل يثبت حق العودة، مفتاح جدك، صورة شهيد.. هههههههههه..

حسنٌ، ماذا لو دعوتك إلى حفلة ماجنة خلف تلك الأسوار؟!! سأحج بك إلى وطن أجمل!! هيا اركبي، سأحملك على ظهري، هيا بنا إلى وطن يرطن ويأكل حلوى مصنوعة من ذهب..

بصقتْ على الإسفلت، بصقت عليها في الهواء، عبرت طريقا ترابيا وهي تسمع صوت آذان الظهر يرتفع من مسجد قريب، أسرعت بعض الشيء، لقد تذكرت بأن خبز العصر لم يعجن بعد!!

 

بلقيس الملحم/شاعرة وكاتبة من السعودية

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1412 الاحد 23/05/2010)

 

في نصوص اليوم