نصوص أدبية

شيزوفرينيا العتمة .. كيلانيات

ذلك الضوء الذي ما عدنا نحلم بالتقاطه في القادم من الأمنيات، وجوه كالحة تمنحنا الخوف من المجهول، أنفاس مصابة بأدران العيوب، تستبيح أحلامنا البسيطة، رغبات شهوانية تبعث فينا الاشمئزاز حين نلامسها بعيوننا الظامئة، تتقزز الروح منها وهي ترمقنا بأنيابها الحيوانية ومخالبها المتنمّرة، خيانات متكررة، تفضح أقنعة الحياء التي تتوشّحها قلوبنا المخادعة، وهي تغفو على هدب الغرائز، شهوة القتل التي أذكت نارها في درابين النقاء، صادرتْ وجوهنا البريئة، فما عدنا نشعر بدفء الليل، ولا بتنا نعوم على أمواج السكينة، كلماتنا، وقبل أن تبلغ الحلق، تمر عبر العتمة أيضا، فالزرافات انقرضت، ولم نعد نحتكم على عنقها، لنلقي عن كواهلنا عبء الكلام، فايروس الشيزوفرينيا تسللَّ إلى مجتمعاتنا،  فلم يسلم من مَصَابها أحد، وتحولت أحياؤنا إلى مستنقعات مُشْزَرفنة، نعيث فيها صباح مساء دون أن نحصل على ترياق يعيد لنا إنسانيتنا المغتصبة،  هوس الفوضى يضج بأفكارنا، كأن إشارات المرور توقفت عن الحركة في شوارعها المزدحمة، فاختلطت الخطوط بعضها ببعض،  ألسنتنا تتلعثم حين نحاكي مرايانا، فلا نستحي من عريها، اعتدنا رؤية الظلام في دواخلنا مذ صوّبنا فوهة المسدس لبساطتنا، وضغطنا على زناد اليأس، احترفنا تزويق الكذب، وتمشيط شعره وكحلنا عينيه بمكحلة الخديعة، عاهدنا أرواحنا على المضي قدما في العتمة، فالضوء لا يمنحنا سوى الهزيمة، نرضع أطفالنا من صدر الموت، نسقيه حليب الخوف، فأرفقي بنا أيتها السنين القادمة، واحترفي معنا شيزوفرينيا العتمة.

 

عبدالكريم الكيلاني

[email protected]

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1420 الاثنين 07/06/2010)

 

في نصوص اليوم