نصوص أدبية

رهاب

من منا لم يشاهد تلك الإعلانات الضوئيةلسكاير (كريفن) برأس قطة سوداء جميلة، من منا لم يقتن ألبوم صور تزين غلافه قطتان جميلتان، من لم يصف حسناء فاتنة بأنها كالقطة وتلك الأمور المقصودة والمعنية بالجمال عند مقاربة عينها بعيون قطة، أتذكر أن لي صديقا عندما كنا في أول عتبات الرجولة كان يعشق شقراء من طالبات إعدادية البنات وهي طبعا لا تعلم بذلك مطلقا، لكنه افترض وصدق افتراضه أنها حبيبته وأنها الأثيرة لديه دون بنات جنسها لذلك فهو يسمح لنفسه أن تحلم بها بعد أن ينام مؤثثا دماغه الغر بصورة لعينيها اللتين تشبهان عيني القطة، آه ماذا أقول لكم وأنتم تعرفون ماذا تعني قطة تلحس يديك بضوع خالص وتمؤ وهي في حضنك، هكذا هي القطط موجودة في أغلب البيوت.

ما يهمني من ذلك إن فكرة صديقي قد أثرت علي بشكل عميق وكنت معجبا جدا بأسبقيته في توصيف الحبيبة بالقطة وعلقت أن تكون الحبيبة كالقطة برأسي لذلك لم بكن رأسي يخلو يوما من صورة لقطة، فكرت أن أقتني قطة لكنني لم أحصل على فرصة فقد كنت أدرس في جامعة السليمانية بعيدا عن أهلي حتى إنني بعد تخرجي بدأت أجمع صورا لقطط مميزة وألصقها على جدران غرفتي ولا زالت موجودة منذ تلك الأيام، وها أنا أبحث عن زوجة لي بعد تعييني مهندسا في وزارة الري، أمي من النوع الذي يجامل النساء كثيرا في محلتنا ذات الأزقة الضيقة والبيوت المواجهة لبعضها لكن أمي كان لها نشاط آخر يجعل كثيرا من النساء يلجن بيتنا بشكل يومي تقريبا ويأتين أحيانا من أزقة بعيدة، عن زقاقنا الذي أعرف كل فتياته اللواتي لم أعجب بواحدة منهن على الرغم من أن إحداهن كانت راغبة بي حد الغرام،لكنني لم أكن أعير لها انتباها .

إن أمي كانت خياطة ماهرة لذلك فمجلس النساء منعقد بشكل يكاد يكون يوميا، يثرثرن، يخلطن الحابل بالنابل كما يقال، الأسود بالأبيض، ولا يتركن عاليا إلا أهبطنه ولا واطئا إلا رفعنه، هكذا بدت الأمور وأنا أحلق ذقني أمام المرآة التي فوق المغسلة بجانب غرفة الجلوس حيث أسمع حديثهن، قالت إحداهن لي سبع بنات ولا من خاطب يطلبهن للزواج، قالت أخرى أمرا آخر، وقالت التي تجلس محاذاة أمي إن في الزقاق الفلاني يا ما شاء الله بنت فلانة صبية جميلة كأنها قطة لم أر بجمالها ولا من يتقدم ولا من يخطب، عند ذلك أصغيت بكل سمعي وتوقفت عن حلاقة ذقني لكن الحديث عنها توقف وتغيرت دفة الحديث إلى مواضيع أخرى، قالت كأنها قطة، يا للروعة وغرفتي ملآى بصور القطط الجميلة، وفي اليوم التالي رحت أتجول عصرا قرب بيت هذه القطة وكما وصفت المرأة، لم ألاحظ شيئا، كان هناك بعض الشباب يروحون ويغدون كأنهم هررة في شباط بارد وهكذا بقيت على هذا الحال خمسة أشهر طويلة وأنا أراقب وأجمع المعلومات وصارت لي علاقات جيدة مع بعضهم الذين هم بسني إلى أن جاء يوم رأيتها فيه، نعم كانت قطة كأنها حلم صديقي وفي اليوم التالي بعد أن أقنعت أمي، أرسلت أمي أحداهن لجس نبض أهلها فكان نبضهم جيدا وكانت النتائج إيجابية بعد ذلك اتفقت أمي وأمها أن تصحبني أمي لزيارة بيتهم لكي أراها، جلسنا في الصالون الذي يشبه صالون بيتنا ويبدو أنهم لا يختلفون عنا كثيرا، أثاث بيتهم كأثاثنا وسجادتهم مثل التي عندنا تركية المنشأ، وبينما كنت أتفجص هذه الأشياء دخلت علينا قطتي وهي تحمل صينية العصير، هكذا يفعلون في مثل هذه الأحوال وقبل أن أتناول قدح العصير من الصينية شممت رائحتها كانت طيبة كرائحة الورد لكنني لاحظتها عندما جلست على الكرسي المقابل جنب أمها أن قطة حقيقية كانت تقف على قائمتيها الأماميتين بوضع ثعلبي، لم تكن أية قطة لتفعل ذلك وفي حينها لم أكن منشغلا بالقطة الحقيقية قدر انشغالي بقطتي الجميلة وأخيرا وقبل أن نتهيأ للمغادرة بعد الإتفاق على كل الأمور حددنا موعدا للخطوبة والزواج واتفقت أمي وأمها على كل التفاصيل وباتت القضية محسومة، لكن وقبل أن ننهض بلحظات أسرت أمها بإذن أمي شيئا وأنا منشغل بالنظر الى قطتي وقطتها التي لم توحي لي بأنها قطة أبدا بل كانت الصبية أكثر شبها بالقطط من قطتها فضحكت أمي ضحكة مسموعة والتفتت إلي قائلة لا أعتقد أنه يمانع فهو يحب القطط أيضا، استوضحت الأمر، ماذا يا أمي؟ أشارت أمي إلى القطة وقالت عليك أن تتزوج البنت وقطتها وسمعت أمها تقول إنها لا تستطيع الابتعاد عن قطتها لحظة واحدة، وافقت على الفور واعتبرت الأمر سخيفا إذ ما المانع وأنا أحب القطط، وبعد مضي شهر طويل كنا قد تزوجنا وانتقلت قطتي وقطتها التي لا تشبه القطط العادية إلى غرفتي وكنت سعيدا بهما معا في البداية غير أنني تأكدت أن روح قطتها لا تشبه أرواح القطط الأخرى بأية حال فقد كانت تراقبني رقابة مقصودة وكأنها تقول لى أنا هنا فاحذر ثم أعود وأكذب نفسيو أقول: لا إنها قطة إلا أن رأسها يختلف قليلا عن رؤوس القطط الأخرى وهي عندما تسمع حركة ما تمد عنقها الذي هو أطول قليلا من عنق أي قطة وتنتصب أذناها كانتصاب آذان إبن آوى من يراها من بعيد يحسبها ثعلبا صغيرا وليست قطة وذيلها المنفوش يشبه ذيل غبن عرس كأنه فرشاة تنظيف الأثاث . إن ذلك غير مهم بالمرة مادامت عروسي راضية، لكنني وبعد أيام لاحظت في الليل إن هذه القطة تحشر نفسها بيني وبين زوجتي وأحيانا تخدشني بشكل سري بمخلبها ذلك عندما يلتصق جسدي بجسد زوجتي وكأنها تحذرني بأني قد عدوت حدودي، في البداية لم أعر بالا لهذه الأمور لكن هذه القطة صارت تنمو بسرعة وبدأ يتغير شكلها الخارجي إلى أن تكون ثعلبا،

 لاحظت أنها تغادر الغرفة في الليل من النافذة ساعة أو ساعتين، ذلك أفرحني كثيرا فقد أمست خلوتي كاملة مع زوجتي بيد أنني عندما أستيقظ صباحا أرى آثار ريش على فمها وهي نائمة على ذراع زوجتي وأجد آثار دم على قمبص نومي وحين أنظر اليها بريبة تتحول إلى كائن متوحش يريد أن يغرز أنيابه في فخذي العاري وعندما بدأت أحسب لها حسابا بحثت الأمر مع زوجتي قالت: ما الأمر؟ ألم يكن شرطي الوحيد هو احتفاظي بقطتي ؟ قلت لها تخلي عن هذا الحيوان الذي لا يشبه القطط بأي حال من الأحوال وسأجلب لك قطة أجمل منها فرفضت رفضا قاطعا مشوبا بالتهديد والوعيد فسكت مرغما.

وبعد ستة أشهر تحولت هذه القطة أو التي كانت قطة إلى حيوان يشبه الذئب المتقطط أو القطة المستذئبة فصرت أتركها مع زوجتي وأهرب إلى الطابق الأرضي لأقضي أوقاتي مع أهلي وإخوتي وعندما تنتهي السهرة واطلع إلى غرفتي حيث مكان نومي أجد زوجتي نائمة يحرسها هذا الحيوان الذي لا ينام غلا بعد نومي، هذا الحيوان الذي كان قطة في يوم ما وأمسى ذئبا، فأرجع من حيث أتيت وأنام في غرفة الجلوس، بحثت الأمر مع امرأتي مرة أخرى فلم يجد ذلك نفعا، هي تقول أنت تتوهم، هي قطتي نفسها لكنها كبرت قليلا، ولما لاحظت زوجتي عمق معاناتي قالت إنها ستربطها الى قائم السرير من جهتها عند ذلك لا داعي لخوفك حيث تستطيع دخول السرير من الجهة الثانية لكنني كلما أفعل ذلك تهر علي بما يشبه الزئير، أيعقل أن القطة تزأر، لا إنها ليست قطة، بلى، كانت قطة والآن أمست ذئبا .

خلاصة القول إن حياتي مع زوجتي امست مرعبة لكنني كتمت كل ذلك عن أهلي ولم أتحدث لأحد وفي ليلة من ليالي الشتاء طلعت إلى غرفتي لأنام فوجدت زوجتي نائمة وقد تحول حيوانها إلى نمر، نعم نمر ببراثنه ومخالبه وعينيه المخيفتين ولما أحست بفراغ مكاني في السرير هبطت الى غرفة الجلوس فوجدتني ملتحفا بلحافي أرتعد من البرد والخوف من حيوانها الذي تحول إلى نمر تساءلت مع نفسي لماذا لا تستطيع هذه المرأة الجميلة أن ترى هذا الحيوان نمرا أهي بليدة إلى هذا الحد وما زالت عند رأيها أنها قطتها ولكنها كبرت قليلا، قلت لها ذات مرة مستنكرا وهذه جروحي والخدوش وزئيرها الذي لا يشبه مواء قطة قالت لم يكن ذلك كما تقول ولكنها قطة كبيرة أقنعتني بكل وسيلة أنني أتخيل ذلك وأن الموضوع لا يعدو عن كون قطتها قد كبرت وصارت تشبه سلالتها التي لم أر مثلها من قبل لكنني رفضت رفضا قاطعا أن أطلع معها وأقنعتها بالبقاء معي في غرفة الجلوس وفي اليوم التالي اتفقنا على أن أعمل لها قفصامن الحديد المشبك بقضبان متينة عند الحداد الذي في بداية الشارع وعندما فعلنا ذلك وأدخلنا معها في القفص إناءين للماء والطعام وفرشنا أرضية القفص بقطعة من الموكيت العتيق . كانت هادئة في الليلة الأولى لدخول القفص ولكنها بدأت في الليلة التالية بالزئير الذي أقض مضجعي وصارت تضرب على القفص ببراثنها القوية فهي لم تكن قطة بالمرة بل كانت كما أراها نمرا تمد مخالبها وتسحب الشراشف وزوجتي تضحك وأنا مرتعب أقول لها إنها نمر وتقول لي إنها قطة لكنها من فصيلة كبيرة الحجم، لم أعد أستطيع النوم مع زوجتي، بدأت لا أميل اليها، جعلتني أشعر أنها لا تريد أن تتخلى عن حيوانها المقرف هذا وأشعرتني أنها تميل إلى التخلي عني ولن تتخلى عن هذا الحيوان الذي تدعوه قطة وبعد تفكير طويل حسمت أمري، وفي صباح اليوم التالي قدمت طلبا الى المدير العام لنقلي الى مشروع سدة الهندية مقنعا زوجتي بأن ذلكسيدر علينا دخلا جيدا لكن الحقيقة أنني تخليت عن زوجتي لحيوانها ولم أعد إلى البيت إلا بداية كل شهر كانت زوجتي قد اشتكت لأمي وأمي قالت يا ولدي إنها قطة ولكنها أكبر قليلا من القطط قلت لها في سري تعالي يا أمي خذي عيوني ونامي مع زوجتي لتري انها نمر وليست قطة

  

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1427 الاثنين 14/06/2010)

 

 

في نصوص اليوم