نصوص أدبية

حريق الرسائل

 

أشتري منك بعمري لحظات لو تبيع !! ذلك كان بيت شعر يرد في أغنية كانت شائعة قبل ثلاثين عاما.. كتبته لك جنان في قصاصة ورق وردية اللون خبأتها في ديوان شعر لشاعر مغمور وسمه بعنوان رومانطيقي " لن يموت الحب ...".

سنهلك أسى حين نفتح كوة بسعة التناقضات التي أودت بك..

كنت قد أغلقت كل بوابات قلبك والقيت مفاتيح أقفالها في يم النسيان.

كنت قد قررت أن تتخلص الى الأبد .. من ألم الذكرى .. فما بالك تعيد شريط ذكرياتك .. ذكريات هزائمك المنكرة .. كأنك قد أدمنت الألم.

"وليس كل من ينسى خؤون. قاسية أنت يا أشجار – الطريق- لا تحتفين بي.. ألأنني وحيد؟".. تلك مقدمة لقصيدة كتبتها قبل أعوام. كنت قد هممت أن ترسلها لجنان ولكنك أحجمت.. المفارقة أنك تلقيت في ذات النهار الذي تلقيت فيه رسالة جنان الوردية.. قصاصة بيضاء اللون من معسكر الخصوم يدعونك فيه للحضور أمام قاضي التحقيق لتجيب عن أسئلة تتعلق بماضيك..!

"في آب قبل ثلاثين عاما قرر "فالح" أن يستسلم تماما لضغوط خصومه وينضوي منتسبا في حزبهم الذي قد أمسك بالسلطة بقبضة من حديد..

إذا لم يكن أمامك خيار سوى الموت فما عليك سوى المساومة وبيع آخر ما تبقى لك من حكمة .. قاسية أنت يا جنان ..ما باله الحب يأتي متأخرا – دائما- .. لو منحتني حبك قبل عام أو عامين .. ربما .. لتشبثت بك .. وانتميت لك- لك وحدك – بعيدا عن خنادق السياسة والسياسيين – كتبت لها-

تتعبك الأنفعالات .. أتعبتك الأعتقالات والضغوط .. شعيرات بيض تطل مبكرة من بين ثنايا شعرك الأسود.. تزيد رعبك رعبا.. تنذرك أن العمر يمر سريعا.

في آب قبل ثلاثين عاما قررت أن تعبر الى الضفة الأخرى .. لاغيا قناعتك القديمة " في قلبي مائة بوابة أعطيت مفاتيح أقفالها لجنان .. وها أنتم تطلبون قلبي كل قلبي- همست في سرك- سيمدحكم لساني ، كذلك قلبي ، الآ بوابة نائية أبقيتها لجنان لن تفلح كل محاولاتكم.. جربوا آخر ما وصلكم من تجارب غسل القلوب.. ستظل بقعة نائية لن أستطيع أن الغيها وان تقطعت أربا.. أربا.. تهمس في سرك – وانت توقع صكوك طاعتك العمياء المشروطة بالدم المسفوك لتعميدك الأبدي.

وبعد مساومتك التاريخية نصبوك مسؤولا مهما في أحدى دوائر الدولة .. ذهلت جنان لأنصياعك المذل.. طلبت منك أن تعيد قصاصتها الحالمة .. أعدت القصاصة والديوان بيد أحدى قريباتك.. لقد تجاوزت مرحلة الألم وحسمت أمرك على أن تبدأ حياتك كما ينبغي لأي مواطن – شرق أوسطي- أن يكون !!

تلقيت من حزبك الجديد – سلسلة من الرسائل التعليمية- تنبيك أن الحزب لا يتابع خصومه وحسب .. بل يراقب أعضاءه ومريديه .. وعلموك إن مراقبته لأعضائه أشد ضراوة !! .. ادخل في روعك أن الأثير الذي ينقل موجات الراديو يستطيع أن ينقل موجات أفكارك الى القيادة!! لقد آمنت انهم يمتلكون أجهزة بالغة التعقيد ترصد حركاتك وكلامك .. بل أفكارك .. فاستسلمت للعبة .. وكم حاولت أن تلغي تلك البقعة النائية في تجاويف قلبك التي أبقيتها لجنان .. كنت تصارعها فتصرعك.. الحب يضطرم بقلبك.. الا أن متطلبات الواقع أقوى..

تزوجت وانجبت ثلاث بنات جميلات منحن صقيع أيامك دفئا لا ينكر .. منحتك وداد وأختيها معنى جديدا يعادل عبث تخبطاتك واقتنعت أن بناتك قد أقلن كبوتك، ها أنت تجد تبريرا مقنعا لهزائمك .. حين فكرت أن تسمي إبنتك الكبرى بأسم " جنان" انتابك هلع أي هلع.. وتعللت بمتطلبات الوفاء لزوجتك .. لقد أبحرت بعيدا عن ذكرى حبك الأول .. ما دفئتك الوظيفة .. وما دفئتك الدرجات الحزبية .. دفئتك بنياتك الودودات.. كنت تعلم ذلك .. الا أن ثمة برودة تكاد تجمد

قلبك وتوقف نبضاته كنت تحسها آتية من بعيد .. ها أن نذر حرب الخليج الثانية تمد لسانها كأنها تسخر منك .. في آذار 1991 سقطت – يافالح- قتيلا" برصاص ثوار الأنتفاضة . أعتبرتك السلطة شهيدا من شهدائها ومنحت بناتك راتبا تقاعديا مجزيا يتجاوز العشرة دولارات شهريا !..

في آذار 2002 كتبت وداد ابنتك الكبرى في قصاصة ورق وردية اللون الى زميلها في الدراسة خبئتها في ديوان شعر لشاعر مغمور وسمه بعنوان غريب " لن يموت الوداد".

قالت فيها:

" أتذكرك كلما مررت بأشجار الرصيف.. أوراقها كانت تحتفي بنا عندما نمر قربها ويدك تحاول أن تختلس لمسة من يدي .. أشجار الرصيف تحتفي بنا – هل تؤيدني ؟!

في نيسان 2003 رأيت صبايا الحي يتضاحكن فرحات بانتهاء مرحلة قاسية من تاريخ شعبنا الآ بنياتك .. في نيسان بكت وداد كثيرا .. بكت أباها الذي حدثها عن بوابات قلبه كلها ونسي واحدة .. فكرت أن أكتب لها رسالة أطيب فيها خاطرها واحدثها عن البوابة المائة لقلب ابيها .. كنت أحاول أن آخذ مكانك كأب .. ولكن .. هل أفلح؟ أشك في ذلك.

ستتهمني بالجنون .. آه .. لماذا أتعب نفسي هكذا !!

 

25-1-2005

البصرة

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1428 الثلاثاء 15/06/2010)

 

 

 

في نصوص اليوم