نصوص أدبية

حكاية الديك الذهبي

عاش القيصر الشهير (دادون)

وقد غزا بشجاعة جميع الأراضي

التي تتاخم مملكته

ولم يرتعد قلب القيصر من شيء

لكنه سئم الغزو في شيخوخته

وتاق إلى السلم والدعة

فثار جميع الجيران على الفور

وسددوا إليه من الخلف ضربات موجعة

 فكان مرغما أن يجهز بالسلاح

آلاف المقاتلين

لكي يحمي الحدود الملكية 

 من هجمات الغزاة 

وعلى الرغم من تحمس قادته

لكن نجاحهم كان ضئيلا

فقد اتجهوا بالناي والطبل

لكن الخصم باغتهم من الشرق

هنا قاتلوا وهناك واجهوا الغزاة

القادمين من البحر

وكان الأمر فظيعا

وانتحب القيصر بحرقة

ولم ينطبق في الليل والنهار له جفن

فيا له من وضع متزعزع

فطلب العون يائسا

من عقيم هرم

وكان منجّما وحكيما

فانطلق احد الفرسان إليه

وعندما وصل القصر

اخرج الشيخ من كيسه

ديكا ذهبيا

وأسدى النصح للقيصر قائلا:

ضع هذا الديك على برج الكنيسة

وسيكون ديكي الذهبي

حارسك الأمين

فحين يرين السلم على الحدود

سيكون حارس صامتا هادئا

وعندما يحدق في أي مكان

خطر العدوان أو الغزو

أو زيارة غير مستحبة

سيصيح الديك حالا

كي يسمع الجميع

ويضرب جناحيه ليجلب الانتباه

ويستدير باتجاه الخطر

فأمر القيصر وقد تجدد أمله

بهبات سخية للحكيم

وقال متهللا:

من اجل خدمتك التي أسديتها للأمة

سأنفذ طلبك الأول

وكأنه طلبي

وهكذا حرس الديك

حدود القيصرية جمعاء

وعند أدق إشارة للكفاح

كانت الحياة تدب فيه كأنه يفيق من النوم

فيضرب جناحيه ليجلب الانتباه

ويستدير باتجاه الخطر

صائحا:احكم أيها القيصر متكئا على جنبك

وهكذا خار عزم الجيران من الغزو

فلم يجنوا سوى الخيبة

ففي كل مكان كانوا يردون على أعقابهم

حتى شعروا بالقنوط

ولسنتين من السلم والرخاء

كان الديك حارسا صامتا

وفي احد الأيام

أيقظت القيصر ضجة مرعبة

وهو يغط في نومه

وصرخ آمر الجيش:

"أيها القيصر!يا سيدي!يا أبا الشعب!"

"واحسر تاه!أفق يا مولاي,واحسرتاه!"

"أيتها الطيبة المقدسة!أيها الرجال الكرام"

فصاح القيصر وقد فغر فمه:

"ما الأمر؟من ذا الذي ينادي؟"

وجاءه الرد من الأسفل

أصغ غالى الديك يصيح

وهو يبث الرعب بين الناس

وقفز القيصر

وعلى برج الكنيسة

انتصب الديك وواصل صياحه

متجها صوب الشرق

فاصدر القيصر أوامره على الفور

اتجهوا إلى هناك وامتطوا حيادكم

وأرسل ابنه الأكبر

زاحفا نحو الشرق بالناي والطبل

فأوقف الديك الذهبي صياحه حالا

وعادت الحياة إلى طبيعتها ثانية

وانقضت ثمانية أيام واحدا بعد الآخر

ولم يصل أي نبأ من ابنه

أو كلمة توضح

الوضع على الحدود

ثم صاح الديك ثانية

فعبأ العديد من الرجال

وسار ابنه الثاني

بجيش آخر صوب الشرق

وتوقف صياح الديك فجأة

ولم ترد أية أنباء كالسابق

وأحصى ثمانية أيام أخرى

وعم الخوف بين الناس

وصاح الديك مرة أخرى

فركب القيصر نفسه

يجيش ثالث دون أن يدري

ما الذي سيجنيه من الذهاب

وساروا قدما قي الليل والنهار

بعيون وجلة و خطو ثقيل

ولم يعثروا على معسكر أو عربة

أو فأس أو سهم مكسور

فيا له من أمر غريب!هكذا فكر القيصر دادون

وانتهى اليوم الثامن

وغبر وادي الجبل المتعرج

حيث اخترق التل ممر

رأى خيمة حريرية

وقد ساد حولها صمت غريب

وفي الوادي

رقدت القوات مذبوحة بأسرها

فاندفع صوب الخيمة الحريرية.....

ورأى مشهدا مرعبا

فقد تمدد إبناه أمام عينيه

دون حراك قتيلين

أحدهما بسيف الآخر

دون درع أو ترس

وفي الحقل الموطوء

يقضم حصاناهما العشب بكسل

عبر الممر الدموي

وانتحب القيصر:"يا ولديّ

لقد اصطيد صقراي الرائعان"

يا لشقائي لقد انتهيت!

 وحان وقت موتي!

وبدا الجيش ينتحب

والممر يئن

وسرت عبر الحقول رجفة

وانفرجت الخيمة الحريرية

على رحبها بغتة

ووقفت الفتاة

ملكة"  شماخا" تنتظر

وهي تشرق كنجمة الصباح

وتحيي القيصر برقة.

ومثل بومة تواجه شعاع الشمس

نسي القيصر دادون

ابنيه الميتين تماما

وقد تولاه الذهول بحضورها

وران عليه الصمت

فأمسكت الملكة ذراعه

وهي تبتسم برقة

واقتادته بلطف مخادع

إلى الخيمة دون إبطاء

وأجلسته على مائدتها

وتناول من الطيبات

وعلى فراش من القماش الفاخر

دعت القيصر دادون لينام ويرتاح

فاستجاب القيصر لأمرها

 واستسلم دون تحفظ

وأقام الفرح بعد ذلك

سبعة أيام من الطرب النادر

وأخيرا قاد رجاله

وبأمر حربي ركب القيصر دادون

 مرة أخرى صوب الوطن

والفتاة على جانبه

وأسرعت الشائعات صوب المدينة

وامتزجت الحقيقة بالخيال

وعندما اقترب القيصر والملكة

كانت الحشود على البوابة لتحييهم

ولوح الناس كأنهم في عرس

وركضوا خلف العربة

ولوح القيصر دادون وانحنى.....

وفجأة رأى وسط الحشد

صديقه القديم

الحكيم المبجل النبيل

بلباسه الشرقي.

قال القيصر:"أهلا سيدي طاب يومك!

ماذا تأمر؟

أرجوك اقترب وتكلم براحة!"

فقال الحكيم:"أيها القيصر الكريم

لقد حان الوقت لتصفية الحساب

تذكر انك أقسمت

بأنك ستنجز طلبي الاول وكأنه طلبك

تثمينا لخدماتي

التي قدمتها لحل مشكلتك

وهذا ما أريد:أعطني الفتاة

ملكة شماخا مقابل ذلك...."

واندهش القيصر دادون

وصاح:أجاد أنت في كلامك؟

أجل سيدي!وان تستمر في هذا المزاج

فقد يتقمصك الشيطان

أو انك ستصاب بالجنون"

لقد وعدت بالطبع

ولكن ثمة حدودا لا يمكن تجاوزها

وما جدواها بالنسبة لك سيدي؟

هذا يكفي انك تعرفني؟

اطلب أي شيء تريد

ذهبي كله ولقبي الرفيع

حصاني الأجمل واللجام

وخذ من كل مملكتي نصفا!

فرد عليه الحكيم  قائلا

أنا لا اطلب هذا

إن الفتاة ملكة شماخا

 هي كل مبتغاي.

ويتشاجر القيصر دادون !إنني ارفض!

لن يحصل على شيء

لم نفسك على سوء حظك

ابتعد أيها الوضيع مادام ذلك بوسعك

واسحبوا العجوز الخرف

لكت الحكيم بدأ يجادل

وان كان من الطيش أن تتشاجر مع البعض

وهوى الصولجان الملكي

على جبينه .......

وارتعشت كل المدينة

عندما التوى العجوز

وسقط ميتا وضحكت الفتاة :

ها ها ها هي هي هي

دون أن يعتريها الحياء من الخسة

 وارتعد القيصر وان ارتعد بسوء

وتملق بوجه الفتاة

وعندما مّر عبر البوابة

تردد صوت برقة

وعلى مرأى من الناس

هبط الديك من البرج

وأسرع إلى العربة الملكية

 وحط على رأس القيصر الأشيب

وتقر رأسه وحلق واختفى

في السماء

بينما تعثر القيصر دادون من العربة

وصرخ مرة واحدة بألم ومات

واختفت الملكة في الفوضى

كأنها وهم

لبست هذه قصة حقيقية

لكنني أظن أن بوسع الأذكياء

أن يتعظوا بها

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1429 الاربعاء 16/06/2010)

 

 

في نصوص اليوم