نصوص أدبية

فلسفة الرغبة

" مولاي، إن قائمة (الرغبات) مشتتة.. ومختلفة الاتجاهات!!

أجابه (أكفردون): " ولكن تجمعها (رغبتي).. عليك أن تدرك بان (هذه الرغبة) هي الفلسفة التي ستوفر عليك أطنانا من الكلام الخاوي، والفعل العبثي، وسنوات بل قرونا أو عصورا من الفهم الخاطئ" .

قال العبد الوزير: " يا سيدي، أخاف أن اخرج إلى المدينة بهذه (الرغبات).. والمدينة  متخمة بالحقد والتنمر جراءها.. :.

فقال (أكفردون): " ولم الحقد والتنمر؟ ..كلانا (يرغب).. فرق بسيط بيني أنا (أكفردون)، وبينهم (هم).. هو إنهم (يرغبون) بلعنة المحدودية، وأنا برحمة المطلق".

فرد العبد الوزير: " يا سيدي، أنا أخشى عليك وعليَّ منهم؛ فأنا اسمع وارى تحفزهم وإصرارهم على التخلص منا..إنهم أصبحوا يجاهرون بذلك".

قال (أكفردون) بثقة: " كلا.. إن هؤلاء ينتظرون فقط!!! والذي ينتظرونه تقرره (رغبتي)، وسوف لن ارغب حتماً في ذلك".

فرد العبد الوزير: " وبماذا تفسر اللغط عليك والمجاهرة بشتمك؟

قال (أكفردون) بتذمر: " إن لغتهم من الضعف بحيث لا تستطيع أن تحمل (رغبة) ضدي، وما يقولونه من كلام قبيح لا يرقى إلى درجة (الرغبة)".

فقال العبد الوزير: " ألهم (رغبة)؟؟"

قال (أكفردون): " نعم.. وهذا سر ضعفهم!!".

فقال العبد الوزير مستفهماً: " وما هي (رغبتهم)؟".

فرد عليه (أكفردون) الملك: " هي نسخة من رغبتي.. لقد جعلتهم يشبهونني تماما في (الرغبة)؛ ولهذا فهم لا يصطدمون بي في (رغبتهم)،وأنا لا أخافهم لأني لا أخاف من (رغبتي) التي هي (رغبتهم)".

فقال العبد الوزير: " وأين يذهب ما يكرهونه منك، وما تفعله بهم الآن ولاحقاً.. مما يبدو انه يثير سخطهم؟".

فرد (أكفردون) بخيلاء: " انه يبدو فقط!! فلأن الرغبة تسبق الفعل وتقرره فهم لا يرفضون أبداً أو يكرهون، وإنهم سيمارسون ما تقرره (رغبتنا) الوحيدة.. التي تجعل كل أفعالهم منسجمة".

فقال العبد الوزير مستطرداً: " وإذا ثاروا ضدك؟".

فرد عليه (أكفردون) بامتعاض: " انك تتعامل معهم بأقصى تجرد.. فمن المستحيل أن يخرجوا من إطار حياتهم إلا إذا ماتوا عندئذ ينتقلون إلى المرحلة المجردة المخيفة ولكنهم لا يمتلكون الفعل المخيف لأنهم موتى".

فقال العبد الوزير: " كيف؟ لا فهم؟؟".

أجابه (أكفردون) بحنو: " لقد قلت لك إن المسألة متعلقة بـ(الرغبة) فإذا ماتوا فقدوا الرغبة وامتلكوا الإرادة. فالأموات يخيفون ولا يخافون! ولكنهم لا يمتلكون (الفعل)، ولو أنهم استطاعوا ، وهذا مستحيل، أن يجمعوا بين (الفعل) وهو حالة حياتية مع (فقدان الرغبة) التي تمنحهم الارادة في حالة الموت عند ذاك سأخافهم".

فقال العبد الوزير أيضاً: " يا سيدي، إنني لا افهم كيف تخاف من الميت بشروط، ولا تخاف من الحي بلا شروط؟!".

فقال (أكفردون): " إن فهمك لفلسفة (الرغبة) سيعطيك تصورا واضحا.. ولكنك لا تستطيع أن تفهم تلك الفلسفة، وكذلك (هم) وهذا ما أرجو استمراره".

[ حين تقدم (أكفردون) من شرفة قصره المنيف حيث حشود المتذمرين التفت إلى وزيره قائلا: إنهم لم يفقدوا (الرغبة) بعد... الرغبة التي تحميني تفتك بهم..ثم عاد تاركا الشرفة وهو يضحك بهستيريا.. مردفاً: إنهم (يرغبون)!!!]. لقد أدرك الوزير الفلسفة أخيراً وقرر أن يبوح بسر النجاة والحياة لأهل المدينة فتقدم إلى الشرفة مخاطبا السواد الأعظم الذي سكت فجأة لتبقى كلمات الوزير تحتل المكان: عيشوا بلا (هذه الرغبة) المشتركة، بل برغباتكم أنتم!!

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1433 الاحد 20/06/2010)

 

 

في نصوص اليوم