نصوص أدبية

قرار السيد الوزير

ثم إنه من الأنعام وهذا كاف لحد هذه اللحظة مع علمي الأكيد أن الحمار لا يكون إلا حمارا، فلو بترت أذنيه أو هتمت أسنانه البيضاء الكبيرة أو وضعته في قفص كالأسد فلن يكون إلا حمارا وإن فعلت به ذلك فستكون خسارته فادحة لاستبعاده من تبعيته للحمير ومن ثم الأنعام لذلك فالحمار لا بد أن لا يكون إلا حمارا لكنني لا أود خداعكم أو التلاعب بأفكاركم عندما أتحدث عن الحمار بكل هذه اللهفة والموضوعية دون أن أحافظ في الوقت نفسه على المسافة المحترمة والمحسوبة بيني  كإنسان وبين الحمار كحمار  بكل ما يعنيه أو يعانيه أي منا، إنها مسافة مؤشرة بخرائط نفسي بوضوح لكنني لا أعلم بالضبط ما يفكر به الحمار حول ما يتعلق بهذه المسافة التي ربماى فكر أن يلغيها لمجرد اعتلاء ظهره أثناء الركوب، إن هذا الكلام لا يبدو مبررا وسيكون عاريا عن غايته إذا لم أسرد لكم القصة من البداية : أنا رجل أشغل وظيفة لا بأس فيها بدائرة شؤون البستنة المعنية بالحدائق والبساتين التي ساءت أحوالها واندثرت في عهد الوزير السابق  ولما كانت الوزارة ممثلة بشخص السيد الوزير الجديد المحترم  الذي يدير الوزارة شرفيا لا حرفيا، يديرها عن طريق الوكلاء والمساعدين  فهو لا يعرف شيئا عن الزراعة في هذا البلد إلا بقدر معرفة أى مواطن آخر ولا يمثل من فكرة الزراعة والبساتين إلا نقطة أخيرة في الهرم تنتهي عندها قرارات الوكلاء والمساعدين والفنيين لتنتهي بتوقيعه المحترم، لذلك ود السيد الوزير أن ينتمي إلى الوزارة بكل قوة ويدخل في الصورة دخول الفاتحين وبما أنه خارج إطار الصورة من حيث المهنية والاختصاص، لذلك أراد وهو رجل مقدام فعلا أن يقتحم ذلك الإطار بجملة من القرارات الوزارية المستقلة تماما عن آراء الوكلاء والمساعدين وكان مدفوعا لأن يكون وزيرا استثنائيا، الأمر كله يهم السيد الوزير، لكن ما يهمني  أنا هو واحد من تلك القرارات المدهشة، كان قرار الوزير بسيطا وتافها بالنسبة للمستشارين المتخصصين في هذا المضمار لكنني كنت أشارك السيد الوزير بعظمة واستثنائية قراره الذي يتلخص بإضافة دونم من الأرض التي تقع خلف بيوتنا في ضواحي المدينة، المبنية بطرز حديثة  والممتدة على طول المسافة الموازية لشلطيء دجلة الجميل، وعلينا أن نجعل من هذا الدونم بستانا استثنائيا يختلف عن بساتين الفلاحين الصغار على طول الشاطيء، لذلك كان لي بستاني خلف بيتي جعات له بابا بينه وبين البيت ...................................... أكملت زراعة البستان بوقت قياسي كما يجب فكان بستانا بحق،و في يوم كنت استمتع بالجلوس على كرسيي المفضل في بستاني، أتأمله، أشم عطر القرنفل وروائح الدغل وأتلهف لامتداد شجبرات البطيخ الزاحفة ببطيء نحو غاياتها وتمنيت أن تبلغ هذه الشجيرات غاية عمرها لكي أقطف ثمار البطيخ الذي لا ينضج إلا بموت شجيراته، لكنني وأنا أتفحص جوانب بستاني كلوحة  فنية،اكتشفت أنه ينقصه حمار  نعم فكل أصحاب البساتين يملكون حمارا أو اثنين لذلك وتأسيا بأفكار السيد الوزير الثورية وجدتني بحاجة إلى الدخول بقوة إلى عالم البساتين من خلال قرار استثنائي..............................

 

كقرار السيد الوزير لكنني لو اقتنيت أي حمار سيكون ذلك عاديا وسمجا ولا يكون استثنائيا، وبما أن الفكرة كلها من رأس السيد الوزير إلى رأسي هي فكرة استثنائية  فعلى ذلك لا يمكن بالمرة ولا ينبغي أن أحوز حمارا عاديا وعلي أن أقتني حمارا مميزا، لذلك أوصيت معارفي بالسعي لحجصولي على ما أريد، وفي يوم ذهبت لزيارة أهلي في العاصمة ولأقضي بعض حاجاتي ثم أعود للضواحي حيث بستاني، لكن هذا النقص الفاحش لبستاني لا يريد أن يفارق خيالي وحيث أن الأهل سألوني عن كل شيء فأخبرتهم عن حاجة البستان لحمار مميز، قالت أمي هاهي الحمير في البساتين المقابلة لحينا  لأرضكثيرة ومتنوعة فضحكت من قولها وقلت أدام الله بقاءك ياأمي  حتى لو وجدت حمارا مميزا هنا كيف لي أن أنقله إلى هناك  أأركبه وأمضي به إلى الضواحي فضحكت أمي وضحكنا جميعا، لكن أبي قال أن له صديقا هناك حيث بستاني في الجهة المقابلة من النهر  يمتلك حمارا مميزا فارها  سمعته يتحدث عن بيعه فاذهب إليه،و بعد رجوعي لبيتي وبستاني ذهبت إلى ضفة النهر ورأيت الحمار عبر النهر يقتات الدغل على الشاطيء، كان فعلا حمارا مميزا ............................

في اليوم التالى دفعت ثمن الحمار وعدت به إلى البستان ربطته هناك كما يربط أي حمار وجلست عصرا على كرسيي متمتمعا بكمال الفكرة وتحقيق الحلم، بستان جميل فيه حمار جميل أهناك أروع من ذلك، كنت قد ربطته عند مجرى الماء قرب الدغل  يرتع ويلعب، وفي يوم على عادتي أتيت لأتمتع بالجلوس في بستاني وإذا بالحمار قد قطع حبله وأكل بطيخي الذي قارب النضج وخرب جزءا من شجيرات الباذنجان وما استطعت السيطرة عليه إلا بشق الأنفس كما يقال، تعكر مزاجي ذلك اليوم،لقد التهم حماري بطيخاتي وذلك يعارض فكر السيد الوزير، ذهبت في اليوم التالي  إلى سوق الحدادين واشتريت سلسلة من الحديد الصلب  مربوطة بمغرز طويل يغور بعيدا في الأرض وثبته في الأرض وطرقت عليه حتى اختفى في الأرض  ثم ربطت الحمار، قلت لنفسي الله يعوضني عن بطيخاتي على أية حال لم تذهب بعيدا فهي في بطن حماري . ومر يومان وإذا بحماري قد بال على رأس المغرز الحديدي  وأنت تعرف ماذا تعني بولة حمار، إنها تذيب الحديد، لقد كانت فعلة مقصودة من حماري وكأنه يتحداني  حيث لانت الأرض التي دققت فيها المغرز فاستطاع قلعه والذهاب للقضاء على شجيرات الفلفل البارد والباذنجان المتبقي والخيار وما استطعت أن أثنيه عن ذلك إلا وأنا أتصبب عرقا، شكوت ذلك الى بعض أصحابي فنصحوني بربطه خارج البستان، لكنهم لم يفهموا أبدا سبب اقتنائي لهذا الحمار المميز  والذي يتصرف بخبث لا يوجد لدى الحمير، عصرا ذهبت الى حماري كلمته بكلام يليق بحمار مميز، قلت له أمجنون أنت  تخرب البستان الذي أنت جزء منه  أيفعل ذلك حمار مميز؟، رفع أذنيه ونظر الي بمكر ثم أدار مؤخرته نحوي ورمح رمحتين  باتجاهي فقفزت مذعورا  وتمكنت من الهرب، لذلك أسألكم منذ البداية أرأيتم حمارا مجنونا؟  أنا ىشخصيا رأيت  كنت أعطيه مايريد  لا أركبه إلا قليلا بعد غروب الشمس، لذلك سألتزم بتوصيات السيد الوزير الذي انتبه مؤخرا لهذا الخطأ الفادح ومنعنا من اقتناء الحمير ورأى أن نقتني نحلا بدلا من ذلك، لذلك فحماري قد عرضته للبيع  لكنه قد كبر قليلا وساءت سمعته بعد ما فعل معي  فلا أحد يرغب به  أفكر أن أطلقه على الشاطيء ليقتات كما كان يفعل .....

  

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1435 الثلاثاء 22/06/2010)

 

 

في نصوص اليوم