نصوص أدبية

حصيات شيرين الجميلات

بلا امتياز ولا مميزات بلا شهرة ولا معنى، سوى إنني أشكل أحد الأرقام الكبيرة في التعداد السكاني لعام1977كمامكتوب في سجل الإحصاء الرسمي وكما مؤشر على البطاقة، إسمي غير مهم ولكنني كنت قد التحقت بدزينة  من الأرقام التي سجلها الحاصي  يوم 1/7/1977 حيث سؤلنا جميعا عن أعمارنا  كنت في ذلك الوقت بنت الرابعة عشرة أما الآن فأنا بنت التاسعة عشرة، كنا أنا وأمي منشغلتين بطبيخ الغداء وكنا حريصتين على أن ننهي ذلك قبل مجيء أبي وأخي الكبير من الحقل على سفح جبل (مركه سور)  كانا يزرعان أو يحرثان أو يعدان المصاطب التي يجب أن تزرع ........

أنا متأكدة من أن أبي وأخي كانا يبكيان عندما وجدا أختي الصغيرة شيرين مقتولة بطلق ناري في رأسها الصغير ونحن أنا وأمي لم نكن نعي ما يحدث  فقد كان أكبر من صدمة،.. نعم لا أنكر أننا جميعا في الجبل البعيد جدا عن العاصمة، كنا نخاف من العسكر، أي نوع منهم، لكننا نخاف أشد الخوف من السيارات الجميلة التي تأتي فجأة  تحمل أولئك الناس شديدي البرود  كأنهم جذوع أشجار أسقطت أوراقها في وقت الخريف والمنمقين جدا والذين يحرصون دائما على ارتداء ملابس أنيقة تجعلنا نمتليء خوفا منها ومن ثم ما يتبقى من خوف نخصصه لأولئك الذين أتوا مع رجلهم المجرد من الحس، قتلت أختي شيرين وكنا مساء البارحة نلعب أنا وهي لعبة (الدامة) حتى أنني لشدة خوفي وذهولي لم أعر بالا  لحصيات شيرين الجميلات التي انتقتهن من سفح الجبل بكثير من الصبر والأناة واستبدلت كثيرا منهن عندما كانت تحصل على واحدة أجمل حتى صارت المجموعة بهذا الجمال الباهر،..........

أنت لا تصدق طبعا أن حصيات شيرين كانت تجبر أي واحد على لعب (الدامة) عند مجرد النظر إليها ..، قلت لشدة ذهولي لم أكن أعي أين صارت حصيات شيرين الجميلات، ربما كانت في جيب المعطف الذي ترتديه  ربما بين أصابعها الصغيرة  المدسوسة في ذلك الجيب على جانب المعطف الذي ترتديه، ذلك الموشى بخيوط ذهبية قماشته من الموسلين  المخطط طوليا بالإرجواني والأزرق والأخضر والأصفر اللامع بحيث إن أي واحد ينظر إلى شيرين يراها مخلوقا لامعا بشدة، خصوصا إذا كان لا يعكر صفوها شيء، كانت كائنا لامعا، حتى أنك ترى أنوارا لامعة متألقة في وجهها المدور الصغير وتلك النقط الثلاث الحمراء التي تشكل خديها وفي الوسط أنفها الصغير كأنف أرنبة جبلية ...، لقد ماتت أمي في السجن ولم أر جثمانها ولا أعلم أين دفنوها وبقيت أنا وبعض الفتيات اللواتي اختارهن أحدهم عندما جاء ضحى إلى سجن نقرة السلمان في أقصى الجنوب ..........

كنافي الوقت ذلك لا نتشبث إلا بالحياة ..، وكانوا في بعض الليالي يرغموننا على مشاهدة القتل بطرق عبثية لمن ترفض أو التي لا تحوز رضا السجانين والمدراء وضيوفهم، يجبروننا على معاينة تلك الأمور على سبيل الترفيه عنهم وكنا خمس أو ست شابات مرغوبات، أما المترفهون فكانوا كثيرين .، وفي ذلك الوقت ما كان أي شيء مهما بالنسبة لنا إنما المهم هو البقاء على قيد الحياة، وبصراحة شديدة تمليها المشاعر الآنية في ذلك الوقت كنا نحسد بعضنا بعضا على نعومة البشرة وبروز الصدر والأرداف لذلك كنا ننفي أي شعور بالكرامة، لأن ذلك يؤدي إلى هزالنا واصفرار وجوهنا وبؤس ملامحنا وربما يؤدي ذلك إلى قتلنا لأنهم ببساطة لا يريدون نساء جميلات بائسات  وعلى ذلك فقد تعلمنا أن نجعل وجوهنا باسمة  بالرغم من الأنين المفجع لأرواحنا وحاولنا بكل قوة أن نلجم ألمنا ونسكته كلما أمكن ذلك..

اليوم أنا بنت الأربعين، بعد مضي واحد وعشرين عاما أقف هنا مع الكثيرين مثلي من الناجين ولا تسألوني كيف نجوت ؟ فذلك حريا بأن يجعل الألم يفقد بعض ألقه ووقاره، نقف هنا في منطقة قرب قريتنا، حيث كشفوا الآن عن مقبرة جماعية، وما كان عسيرا علي أن أرى بقايا ثوب شيرين، ومعطفها المصنوع من قماشة الموسلين والموشى بشرائط ذهبية والمخطط بالأزرق والأرجواني والأخضر والأصفر التي كانت تلمع ولم تعد كذلك  كان الأمر واضحا  لأن الجمجمة الصغيرة وبقايا جديلة شقراء  كانتا لشيرين ومن المناسب جدا أن أقول لم يجسر الدمع على الخروج من المآقي لحد هذه اللحظة وعندما مددت يدي بين بقايا معطف شيرين كانت حصيات شيرين الجميلات لا زالت هناك، التقطتها وعندما صارت الحصيات بيدي  انفجرت الدموع التي كانت قد جفت منذ زمان بعيد، ضممت الحصيات إلى صدري وصرخت ..آه ...آه ياشيرين 

  

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1437 الخميس 24/06/2010)

 

 

في نصوص اليوم