نصوص أدبية

فتشت عن وجهي / يحيى السماوي

فإذا سـقطتُ على التراب ِ مُـضـرَّجا ً

شــدّي ذراعَـك ِ وانهـضـي بـمُهَــنَّـد ِ

 

ما العيشُ إنْ ثُكِلَ الوئامُ  وأصْـحَرَتْ

روضُ المودّة ِفي العـراق ِ الـمُـرْمَـد ِ ؟

 

إنْ يُوصِدوا بـابَ الـهـنـاءِ  بوجهِـنـا

فـطـريـقُ حُـزنـي بـابُـهُ لـم تـوصَـد ِ

 

لا تجـزعي مِمّـا أصـابَ سـفـيـنـتي

فلـتُـرْخصي الدُّنـيــا لِـديـن ِ مـحمّـد ِ

 

لطفـولـة ٍ تـكـبـو بصـحْـن ِ شـحاذة ٍ

وأمومـة ٍ تـرثـي  دُخـان َ  الـمَـوقِـد ِ

 

ومُكَـبَّـلين َ بـقعـر ِ مُـظـلِـمَـة ٍ فـمـا

عرفوا نجومَ الأمسِ من شمسِ الغـد ِ

 

أعـداؤنــا مِـنّـا .. لهـم في حـقـلِـنـا

دغلٌ خبيث الجذرِ في العشب ِ الندي

 

لا تُـحْـسني ظـنـا ً بناكِـث ِ عَـهْـدِه ِ

وربـيـب ِ أجلاف ٍ خديـن ِ مُـفـسَّــد ِ

 

               **

 

أغـفـو على رمح ٍ يَـغِـلُّ حشـاشـتي

وإن ِ اسْـترحتُ على وثيرِ المـقعَـد ِ

 

أورثْـتَـني يــا حـزن ُ كـلَّ رزيـئـة ٍ

وأذلَّ أحـداقــي رمــادُ تــسَـهُّــدي

 

وأضــاءني وعْــدٌ بـأنَّ مـسـيــرة ً

سـتدكُّ أصناما ً لـمُـنـبـوذ ٍ ردي  (1)

 

فـتمـرَّدي كالسيل ِ في غـلـوائِـه ِ

فـالخـيـرُ يـابغـدادُ أن تـتـمَــرّدي

 

وطني ؟ يُقالُ بأن َّ ليْ وطنا ً فما

أبـصـرتـه إلآ وقـيـدي فـي يَـدي

 

وأراهُ ـ أحـيـانـا ً ـ يـنـامُ كطعنة ٍ

فوق الخرائط ِ أو بصوتِ المُنشِـدِ

 

ياموجة َ الغضب ِاشهقي في ليله ِ

وتقحّمي تلك الكهوفَ وعـربـدي

 

أنا ماكبوتُ لأنَّ مُهْـرة َ ثـورتي

جزعَـتْ وأنّ الدربَ غيرُ مُـعَـبَّد ِ

 

لكنّ بعضَ الزاعمين قد ادّعـى

إرثا ً بسيفي قبل  وأدِ مُشـرِّدي (2)

 

        **

 

بغدادُ قد عَـطِشَ النهارُ إلى سَـنا ً

فلتُسْرجي قنديلَ بَـرقِـكِ وارعِـدي

 

أضحى عراقُ الخيرِ يشحذ خـبـزَهُ

ويـمـصُّ أدمعَـهُ .. وذلّا ً يـرتـدي

 

آهٍ .. منى جـذري يضمُّ غصـونـهُ

فيعود لي نهري وزورق سؤددي ؟

 

كحّلـتُ أجـفـاني بـطيـن ِ فـراتِـهِ

وعُصَيَّة ٌمن سعفِ دجلة َ مِـرْوَدي

 

فلتُطفـئي يا ريحُ نبضَ رجولتي

لو بعتُ وحْـلَ الرافدين ِ بعسْجَـد ِ

 

           **

 

ووقفتُ شحّاذا ً على باب المنى

فرأيتُ ذلّ النفي يهزأ  من غدي

 

فتّشْتُ في المرآةِ عن وجهي فما

أبصرتُ غير  مُـشـرَّد ٍ مُـسْـتشـهِدِ

 

عـكّازتي وطـني الذي غـادرتـه

قسرا ً غداةَ اسْتأسَدَ النذلُ الـرّديْ

 

ولـربّمـا وجَـدَ   الفـتـى بمـفـازة ٍ

مالم يـجـدْهُ عـلى بساط ِ زُبُـرْجـد ِ

 

فـدريئة ُ العاصين غيرُ دريـئـتي

وتزهّـدُ العافـيـن بعضُ تـزهُّـدي

 

ياقلبُ  كنْ صخرا ًولا تدعِ الهوى

يُغوي .. وإنْ ثقُلَ المصابُ تجَـلّـد ِ

 

فإنِ ارتعبتَ من الطغاة ِ وجدتهم

وثـبـوا عليك بشهـوة المُـسْـتأسِـد ِ

 

فاغضبْ إذا غضِبوا فإنَّ نيوبَهم

تخشى قِـراعَ الواثـب ِ المُـتـوقِّـد ِ

 

ويدي إذا أسْـلـمتُها لـخصيـمِهـا

أدركتُ أنّ الموتَ تجـلبُـهُ يـدي

 

فيمَ التشبُّث ُ بالحياة ِ إذا اعـتلى

سـقط ُالخليقة فوق منبرنا الهدي ؟

 

فوحقّ مَـنْ ركبَ البُراقَ سحابة ً

فسجى وصلى في رحاب الأوحد ِ

 

وبـرعـبِ  أطفالي وعِـفّـة ِ أمِّهِم

وبدمعِ أختي والشقيق ِ المُقـعَـد ِ :

 

أمشي على ضلعي إذا قدمي اشتكى

وهْنا ً وأجعل من دمائي موردي

 

وأمـدُّ كفي ـ كالضرير ـ يقودني

شرفي وفانوسُ البصيرة ِمُرشِدي

 

وأصيحُ : تبّا ً ياحياةُ إذا ابتغتْ

ذلّي بـمَـدّ يـدي لـكفِّ مُـهـددي

 

...............................

6/5/1991معسكر رفحاء

(من مجموعة " قلبي على وطني " الصادرة عام 1993)

(1) ردي : مخففة من رديء

(2) إشارة إلى حزب ديني عراقي زعم أنه هو الذي أوقد فتيل  الإنتفاضة الشعبية عام 1991 بينما الحقيقة أن الذي أوقدها كان جندي مجهول وجّه قذيفة دبابته إلى جدارية صدام حسين في ساحة سعد بمدينة البصرة فانتفضت الجماهير  المحتقنة غضبا من سياسة النظام وامتدت نار الانتفاضة إلى بقية المحافظات بشكل عفوي .

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1455 الاثنين 12/07/2010)

 

 

 

في نصوص اليوم