نصوص أدبية

قصيدتان

 

أريكة مرتفعة

قاسم سعودي

ربما الضوء يأتي من مصباح مغلق

ربما الأريكة ترتفع

لغيمة باذخة لا تسأل من أنت ؟

ربما تمتلك في الأوقات القادمة

مهارة أن تدخل حلمك

في ثقب الممكن من جهة الفردوس

ربما الخيط لا يكفي

لعبور الضفة الأخرى إليك

ربما الثقب لا يتسع

لتمرير كل هذا الشقاء

ستقف طويلاً

في الجهة التي لا تعرف لونها

منتظراً

  

ما يكتبه لك

أمراء الظن والافتراس والجنون

لكن

من حيث لا تتوقف ولا يتوقفون

سيأتي الحب ويمضي

مثل قطار ميت عنيد

لا المحطات تكفي للمزيد من العطش

ولا المواسم جديرة بدونك بكل هذا الفرات

كمزار شهي

ستبقى أبوابك مفتوحة للقوارب المتعبة

وحدك فقط

من يصنع اللذائذ على جفن البصيرة

رغم ذلك

لا أعرف كيف ستقود هذه الجياد العمياء

كل هذا النخيل  ؟

السقف منخفض جداً

الأريكة متوقفة

 

والصباح مشغول بترميم من فقد ابتسامته في دخان الأسئلة

أسئلة صغيرة جداً

كيف تعيش هذه الأعشاش المخبأة الساطعة

في هذه المدينة التي تدهشني قسوتها ؟

والفتاة ذات القلب الساخن

أين ذهبت ضفائرها التي تشبه جرح الرمان ؟

الطفل ذو العامين الذي تعلم الرقص على ساقه الواحدة

كيف لأمه أن لا تكذب مجدداً ؟

كان تقول له

الأطفال هنا يولدون بساق وكف يتيمة

وبائع البضائع القديمة في ساحة ميسلون*

هل له بفرصة أخرى لرؤية نفسه في المرآة ؟

وأنت هناك منذ الأزل

في غيمتك البعيدة

شاسعاً

شاسعاً فقط

في مهادنة البلوى

وتقصي الأمل

وإيقاد اشتباكات الخصوبة

في الضفة القادمة

ربما ثمة زهرة حب

تعانق بسمة طفل خرج متأخراً إلى المدرسة

وقتها كنا نبتسم

مثل وردة على عكاز

أنا

وضباب الرأس

والأشجار التي لا تتوقف في تلك الوجوه المتعبة

الكائن المشدود لأصابعه الودودة

على المساجد والكنائس والأضرحة

المرأة التي تغني

أو تحب

دون أن يتعقبها أحد

صديقي الذي ينتظر منذ معجزتين

تأشيرة مدن الثلج 

.......................

 

وكليجة ربات البيوت الساخنة *

والضحكات التي يقطعها الخوف

الخوف دائماً

على الكائنات التي تنتظر الضوء

من مصباح مغلق .

 

*كليجة .. رقائق قمح صغيرة محشوة بالتمر تقدم في الأعياد

* ميسلون .. ساحة في بغداد

قاسم سعودي/ شاعر عراقي

 .................................

 

فاكهة منخفضة

بلقيس الملحم

 

 شيء ما يهتز داخل جسدي

 ضلعان يلعبان بالأجراس داخل القفص

يتلاهبان في اشتعال الفراغ

ينفرجان عن ساقية في سقف مرفوع

كزهرة تعلن عن اخضرارها

في ظل عزلة من بقع المطر

البقع التي يغوص فيها الطين مطأطئاً رأسه بشهقة من بياض

هي شهقة الفوز إذا بفاكهة الشوك

ولسعة السكاكين والجفاف والضجر

كل هذه الرقصات

كل هذه المواسم

  وساق زهرة تقطف مجدداً

راحت تذرع الهذيان

بإصبع واحدة

تلفها بشرائط النذور

تخاف أن يباغتها الوطن

أن يشرب الفنجانُ نفسه

متنبئاً بفراديس ثملة

تاركا إياها تعبر حواجز الساحات المربوطة بالوعود

 وعود مكفنة بالبرتقال

بطلاء الجلود

والمسامير الراكضة

حيث النوافذ الخارجة من أسنان حلم مدهش

صينية كعك طري لخشب متعفن

يدور بها عجوز يلطم خديه كلما جمع شظايا البالونات

يلطم ولا أحد يتبع صداه

سوى صرخته المتأخرة

حين تهرب بأكياس محملة بالعظام

لحوصلات مسفوحة

من لسان معقود بحجم الكلام

سجادة مدفونة منذ القيامة

رضيع مترهل

وضفائر صفراء لجارتنا الكرديَّة

أناديه : وطني!!

فيتشعب  بين ثيابي الحزينة

يذوب كتمثال من حلوى

وقد طحن سهوا: وردة تحت قدميه

وقضمَ سمكة بائتة كادت تكون وجبة لذيذة لعابر لا يعبر

أناديه

فتأخذه نوبة تهجي أسماء الراحلين في ثيابهم

أرفع بصري لعلي أراه

فأرى طريقا متفسخا

قد مشى فيه آدم

نازلا من فردوس إلى فردوس؟!

الجنائن المعلقة اندثرت يا آدم الله

لذا رأيتُ الطريق متفسخا

كل هذا منذ أن رفعتَ ساقيك على الأريكة

وبدأت تنظر لمدينتك المكتظة بالحلزون الجائع

والصراصير السابحة على الأجساد

حقائب النخيل تمشي وهي مغمضة العينين

تمشي وهي تتنبأ بأن وليمة ما ستفك رباط عينيها

تركض وتتعثر في نوافير دمى القطن

 الشطائر معها

 وما تبقى من نافلة المناجل

شيء ما يهتز داخل جسدي:

 ضلعان يلعبان بالأجراس داخل القفص

وأنت فوق الأريكة

تنظر لأسفل منك

رأسك كزهرة بصل

تتدلى

 فتعصرك ندبة صديقك كريم

كريم الذي لعب به خرطوم القادسية

ورمى به في نهر الأغاني الماجدة

تبتسم له

فمنذ زمن طويل لم تره

يبتسم أيضا

ولكن كزهرة البصل التي عصرتك

وأسمعتك صريرها وهي تحتسيك

في قاعة طرية الأطراف

لا يحضرها سوى الأريكة

والفراغ المشتعل..

 

بلقيس الملحم/ شاعرة من السعودية

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1459 الجمعة 16/07/2010)

 

 

 

في نصوص اليوم