نصوص أدبية

كنوز القادم / حسين عجة

خلو من أي شيء سوى مخيلتي، سمعتُ طرقاً على الباب ولم انهض. ليس من الإعياء أو خبث أدسه غفلة في جيوبي حين تأمرني عين واحدة لإنهاء السهرة. هل أجرأ في هذه اللحظة على تسمية لهفة الطارق، أصابعه أو الوحوش التي ساقته كطريدة نحو خلوتي؟ يبتسمُ رجل ما في سريرتي، واحد من السبعة الذين يقاسموني نفس المخدةِ. رأسي كما باقي أعضاء روحي ظلت ملفوفة بذات الخدر أو إذا ما وهبتني الأمطار قوة البوح سأقول ظلت ملفوفة بنفس العفةِ. جاء طارق الباب وجلس بالقرب من النهاية القصوى لجسدي الممددِ. أما زلت نائماً والعالم برمته يتزحزح! كانت تلك أول قذائف دهشته. ألم تسمع بأخبار البعيد الذي جاء وحلَ في مدينتا هدية من الرب على شوارعها الصاخبة؟ ماذا؟ أجل! نعم! منذ يومين وهو يجول في باحاتها، أزقتها الضيقة وعلى المارة يوزع ابتسامات الزهد والمعرفة.

دعني أسرد عليك قوة الحدث، الصاعقة. أنتَ لا تعرف كنوز القادم، حكمته، بهاء صوته، والتفاسير التي في حوزته عن نشأة الكون. خذني له، لأرمي بنفسي ومالي في أحضانه. ما زال لدينا الوقت، أوحيتُ لهذا العاشق. أنتَ ترى بأن الصبح لم ينبلج بعد، دعنا نتناول الفطور لكي ترجعُ العافية لأعضائنا المهددةِ، من الجوع أو الشهوة. لتترك إغوائك، نرجسية أقوالك التي صرت أعرفها عن ظهر قلب. ردَ عليَّ محدثي، العاشق الذي جاء يطلب مشورتي. نظرتُ، من قلة حيلتي، إلى السماء المدثرة، ركزت شعاع عيني على كرسي الجلالة، ثم ناشدته : أفطرت القارات كلها، سيرتَ جميع الأفلاك، نصبت الشوامخ من الجبال وزبد المحيطات، صنعتَ آدم من الطين أو الصلصال لكي تبقيني متلعثماً إلى الأبد؟ أثناء ذلك، توردت الباحة، من سناء الشمس، انجلت رويداً فرويداً الظلمة التي كانت تغطي خدود عاشقي، ثم لمحت على قناع وجهه شيئاً من الابتسامة، وردية هي أيضاً من ثقل الحياء، من العطش الطويل للمعانقة.

 

(2)

يشرع البدو الرحل بالخروج من الصومعة للصلاة قبل توازن أركان المعمورة الأربعة. خلل دائم في القبة الزرقاء اسمه العشق. هو اللهفة، أنتِ في كل الركعِ، الفجر، الضحى، الغسق، وآخر الليل للرقص المحفوف بالمخاطر. حواء وآدم. فرجينا وولف وأمواج الصوفية. القبل الساخنة والنزاع الذي لا يهدأ من أجل الآخرة. حكاية النص وكيف يرتل، وكأن تململ الحياة ونبضها المترادف، كما غفوة الموت وتفكك الخلية، يشهدان طواعية لرهافة الإيقاع في ساعة التردد، تلك التي حدثتك عنها للتو، أو قبيل نهوض البدو الرحل من الصومعة لأجل صلاة الفجر والمعمورة ما زالت مختلة العافية، عليلة من نسجها لخيوط التوازن، الوهم، البكاء، تدثر السماء ويقظة الخالق. في البدء، كان الصفر الأعظم، لوغوس الغيرة، وسيزيف المدان بعشقه للصخرة. غير أن المعمورة ظلت مهجورة، حتى جاء أيروس ليعبث بالمعادلة، ليملأ الدنيا بالمرايا، فتوة الأشياء والأجساد لا شيخوخة الصور. 

 

(3)

كنتُ ممدداً على قش فراشي، غير مكترثاً بخلية النحل، طنينه، عسله وأمراضه العصية على حكماء العصر. أهذي وحدي، في الطابق الشاهق، برج عاجي سرعان ما يتهشم، إذا ما زارني حافي القدمين ترافقه شياطين الأرض وليس الملائكة. يقولون لنا : يكمن الكنز في الحفر، من أجل الحفر وتصبب العرق، لا في لمعان الذهب أو الأثر الذي خطته من قبلنا شهية رعاة مهمومة بالأغصان وقطف ثمارها العاجل.     

  

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1463 الثلاثاء 20/07/2010)

 

 

 

في نصوص اليوم