نصوص أدبية

عزيزتي (2) / غالب حسن الشابندر

ماذا أهدي إليك؟

فكرت كثيرا، بل عميقا، لا أملك شيئا في حياتي سوى قلمي وأوراقي، ولذلك ينبغي أن أفكر، ترى ما الذي يرضيك، وما هو نوع الهدية التي ينبغي أن احملها بين يدي إليك، كانت لحظات صعبة، بل موجعة، لأني لم اعثر على جواب ...

ماذا اهدي إليك ؟

قررتُ أن اذهب الى البحر لأساله، ربما يشفق على عقلي الكليل، أو بالاحرى نفسي الكليلة، فانتِ تعرفين جيدا، إن البحر صديقي، منذ زمن ليس بالقصير، لأننا سبق وأنْ تصالحنا بالقرب من أمواجه الهائجة يوم ذاك، وكنتِ قد هربتِ من الموعد، لم تهربي مكانا، بل هربتي روحا، فمن حقي إذن أن اذهب إلى البحر وأساله !

آه ...

ما اغرب المفاجأة ...

كان البحر يا عزيزتي قد جفّ !

فهل جفّ قلبُك ؟

سألت قلبي : ماذا اهدي لها ...

لم يجبني، بل سمعت نداء خفيا يحرك في داخلي ذكرى، ذكرى مشوشة، ذكرى مرتبكة، لم استطع تمييز معالمها، فهل روحُك هي الاخرى جفّت ؟

أصابني حزن عميق ...

ماذا أهدي إليها ؟

هكذا رحتُ أجتر، السؤال نفسه بطبيعة الحال، ولكن دقات قلبك متغيرة، متلونة، متقلبة، احيانا تسرع، وأخرى تتباطيء، فيما تسدل جفونك الطويلة على عينيك الجميلتين عندما تسترجعين نغمات صوتي البسيط عندما كنتُ أغني لك بالايراني ...

 (أشكِتْ نريز ...)

أشكِتْ نريز ...

و... بكينا معا ...

جفَّفتُ دموعَك بيدي، فهل لهذا السبب جفَّ البحر يا عزيزتي؟

كان الاولى إذن ان أجفف دموعك باوراقي، ملكيتي الوحيدة ... لا ... ربما يجف الماء في كل مكان !

ماذا اهدي اليك؟

أوراقي؟

لا شيء في عالم اليوم ...

نسيتُ ...

ربما يجف العالم كله !

قولي !

ماذا اهدي إليك؟

احكي لك هذه الحكاية البسيطة : ـ

كنت أدرِّس مجموعة من الطلاب، كنت أدرسهم موضوعا مهما بعنوان (كيف نفكر)، كان هناك تفاعل حي نشط بيني وبين هؤلاء الفتية الأبرياء ...

لا أطيل عليك ...

نهاية الفصل كان كل طالب قد جلب هديته لـ (للاستاذ) ...

هدية واحدة فقط هزّتني من الاعماق ...

زجاجة تراب ...

وحق شعرك الجميل !

فقط ...

لقد هزّتني من الاعماق لاني احب التراب، ولان جميعنا من تراب، ولأن التراب اشرف من لحوم البشر ! كثير من البشر على أقل تقدير ...

إذن انتظر هديتك ...

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1474 الاحد 01/08/2010)

 

في نصوص اليوم